الرئيسية / العلم والحياة / هل تمطر السماء جراثيم

هل تمطر السماء جراثيم

هل تمطر السماء جراثيم 

ا. د. محمد المليجي

سألني إمام مسجدنا بعد صلاة الفجر سؤالا غريبا يسأل فيه هل يمكن للمطر ان يحمل امراضا للنباتات وللبشر؟ 

كان يريد منى اجابة عاجلة وهو لا يدري ان سؤاله البسيط يحتاج عدة ساعات لإجابته. 

سألته ماذا يريد بهذا السؤال ؟ 

قال ان الله يبعث لنا المطر ليكون فيه خيرا فكيف يكون فيه غير ذلك. 

قلت له ان المطر ينزل من مصدره نقيا جليا بالفعل ولكنه يكتسب الضرر ويحمل معه الويلات واللفحات ( اللفحة blight موت سريع لأنسجة النبات)  اذا كان الهواء ملوثا بالجراثيم فيحملها الى النباتات والبشر واذا كان غزيرا وضل مجراه فانه يسبب الفيضانات وهكذا. 

قال وهل توجد الجراثيم فى الهواء. قلت له كل لتر من الهواء به عشرات بل مئات او آلاف الجراثيم. 

تركنى وغادر المسجد لأنه كان هناك من ينتظره ليأخذه فى مشوار مبكر. 

تذكرت ما نسميه بعلم بيولوجيا الهواء Aerobiology  أو Aeromicrbiology ميكروبيولوجيا الهواء وعلم الأوبئة Epidemiology وكلها علوم تجيب على سئوال شيخنا البسيط. 

الهواء يحمل جراثيم الفطريات وكائنات اخري عبر المحيطات والقارات وتأتى الينا فى مصر جراثيم فطريات الأصداء والتفحمات والبياض الدقيقي والفيوزاريوم من دول مجاورة وأخري بعيدة مع تيارات الرياح على  ارتفاعات هائلة. وبعض هذه الجراثيم محصنة ضد أخطار السفر وبعضها مهيأ للحمل بالرياح تماما كبذور الحشائش التى لا تعترف بالحدود الدولية. 

كل مخلوق من الكائنات الممرضة للنبات له قصة وله عوائله من النباتات يتعامل معها ومن أعقد هذه المخلوقات امراض الصدأ فى القمح الذي ذكر فى القرآن والكتب السماوية والذي عاقب به الله فرعون عندما اصاب القمح فى السنوات السبع العجاف. 

توجد على سبيل المثال ثلاث انواع من فطريات الصدأ تصيب القمح والشعير والنجيل والذرة، وتوجد انواع اخري من الأصداء تصيب الورد والبصل والفول وغيرها من النباتات. ولكن رغم كثرة عدد الأصداء وتعدد سلالاتها فهى غاية فى التخصص فلا تصيب الا نبات محدد او صنف محدد. 

نستطيع ان نفرق بين الأصداء عن طريق العرض الذي تسببه فى الحقل وقد سمي بالصدأ لأن جراثيمه المتكتلة تشبه صدأ الحديد الاحمر اورالاسود او البرتقالي ويعرف الصدأ ايضا عطريق فحص الجراثيم مجهريا وفى كل الأحوال فأعراض الصدأ مبهرة رغم قوتها التدميرية.  

تنتقل جراثيم الصدأ عموما وبعض الجراثيم الأخري بالهواء وتعبر المحيطات والبحار كما تنتقل مع بقايا المحاصيل من موسم الى آخر وتختفى فى الحشائش لتنتظر العائل المناسب. 

من الصعب التحكم فى مرض الصدأ اذا بدأ لانه ينتشر كالحريق ولذلك نكافح الصدأ باستخدام اصناف مقاومة للمرض او منيعة للإصابة به او استخدام مبيدات وقائية. 

المطر يغسل الجراثيم من الهواء ويوفر الرطوبة لانبات الجراثيم عامة سواء على النبات او فى التربة ومنها اصداء القمح ليشتعل الحقل فى أسبوعين وكأنه تعرض لحريق.

الذي يوقف تقدم هذه الجيوش الجبارة من الفطريات والبكتيريا غالبا هو المقاومة الطبيعية التى توجد فى بعض أصناف النباتات وان فقد الصنف المقاومة انهار امام هذه الامراض. 

هذا ينطبق على كل المحاصيل وعلى البشر والحيوانات فغياب المقاومة خطير. قد توجد المقاومة طبيعيا او يقوم مربي النباتات بزرعها بنقل جينات من نباتات مقاومة الى النباتات القابلة للإصابة. وقد تفقد التباتات مقاومة كانت موجودة بها لأن الفطر يغير من تركيبه الوراثى ويهاجم بأسلحة جديدة. 

عموما فمعظم الكائنات الدقيقة خاصة الفطريات تكمل دورة حياتها فى ٧-١٠ ايام اما البكتيريا فتضاعف كل ٢٠-٣٠ دقيقة اما الفيروسات فتضاع بالملايين فى ثواني. وتنقل الميكروبات بالبشر  والحجر والحيوانات والآلات والمياه والتربة والهواء بالإضافة إلى الامطار.

عن Mohamed El Meleigi

Professor of Plant Pathology and Microbiology Worked at University Alexandria Egypt, North Dakota State University, University of Kentucky, Kansas State University, king Saud University, Qassim University

اقرأ ايضاً

الفن في المعركة

رسومات عن الحرب في غزة بعد ٧ اكتوبر ٢٠٢٣

Leave a Reply