عندما بدأت دراسة الدكتوراة في جامعة ولاية داكوتا الشمالية NDSU في مدينة فارجو Fargo كنا في أول شهر سبتمبر 1974 وكان الجو جميل ولكنه بدأ في البرودة. مدينة فارجو على بعد ١٥٠ كم تقريبا من الحدود الشمالية لأمريكا مع كندا. وكلها شهر ونصف وبدأ قطن أبيض ينزل علينا من السماء، كنت سعيد للغاية بالجمال الهاديء وقطع السحاب المندوف التى هبطت علينا من السماء. ولكن كل من حولى كانوا غير سعداء لأنهم يعرفون ان فصل اكتئاب عام قادم سريعا .
قبل ذلك كان كل الزملاء المصريين حولى الذين سبقوني في المنطقة يتحركون على الثلوج والصقيع وأنا بالطبع غير مقدر تماما لهذا الكابوس القادم. ولكنى ذهبت مع أخي دكتور محمد ابو السعود إلى متجر شعبي معروف في كل انحاء امريكا اسمه K Mart واشتريت عدة القتال مع الثلوج كما انتقاها لى. كان الصديق محمد يصر …خذ دي افضل وكان لازم اسمع الكلام.
عدة القتال مع الثلوج كانت حذاء معين ذو رقبة (بوت) ونعل غليظ مسنن مثل كوتش جرار الحرث وجلده معالج بمادة مانعة لتشرب الماء ولونه بني ، مش عارف ليه بني. تشمل العدة لباس قطن داخلي فوق وتحت وجاكيت مثل سرج الحصان اسمه باركه وبالطبع ثقيل ومبطن مثل اللحاف وله غطاء رأس من نفس نوعه وهذا الغطاء يمكن قفله على الرأس بحيث لا يظهر منه إلا عيونك. إشي في الخص وعينه بتبص.
مع كل هذه العدة قفازات جلدية مبطنه وسميكة وحزمة تعليمات. كانت التعليمات تشمل المشي بخطوات متقاربة وبطيئة على الثلج حتى لا تنزلق وتقع فتكسر يدك او قدمك او رأسك إذا كنت سيء الحظ. الثلج المجمد حولك قوي مثل الرخام احيانا ولو وقعت عليه وقعتك سوداء. ومن التعليمات ايضا انه في حالات البرد الشديد اي ٢٠ درجة تحت الصفر اوعي تعرض اصابعك او انفك او تستنشق الهواء مباشرة حتى لا تتجمد أطرافك او تصاب بعضة برد Cold bite قد تدمر أنسجتك او تسبب لك جلطات.
رغم الإستعداد الكامل لمواجهة الثلوج كان حضورها مخيف في البداية حيث هجمت العاصفة الاولي على المدينة في بداية شهر نوفمبر وردمت الشوارع والمنازل بأطنان من الثلوج لتقول لنا بخفة دم رزلة ومدهشة لى أنا هنا هنا يا إبن الحلال.
بدأت أتعود على الجرافات وهي ترفع الثلوج من الشوارع وبدات أتعلم اصور الثلج. التصوير في الثلوج له طرق معينة حتى تري التفاصيل لأن بياض الثلج يعمل كفلاش للضوء يجعل صورك باهته بلا تفاصيل.
تحولت الشوارع إلى ممرات محاطة بتلال من الثلوج واختفي كل شيء جميل وأصبحنا نعيش في مجتمع من الأشياء المجمدة التى لا امل في ذهابها إلى مع انتهاء فصل الشتاء في اوائل شهر ابريل تقريبا.
كنت اسكن مع زميلي د. ابو السعود وطالب ايراني وطالبين من كوريا الجنوبية في طابق في الدور الثاني كل منا يحتل حجرة في نفس الطابق. استيقظنا يوما من النوم وجدنا الطابق الثاني بالكامل نزل للشارع. الثلوج ردمت الشارع وأصبح ممكنا ان نخرج من شباك الحجرة لنسير في الشارع مباشرة. سيارتنا دفنت في مقبرة الثلوج واصبحت تحتنا.
بالطبع توقفت الدراسة في الجامعة وتوقفت الحياة اربعة أيام حتى اخلاء الشوارع او ممرات في الشوارع. شاهدت الجيران يرشقون عصيان طويله في الثلج وبنهايتها لا فته Car here حتى لا تصدم الجرافات السيارت المدفونة في الثلج. عملنا مثلهم
وتستمر الحكاية
محمد المليجي