بعد أسبوع من هذه الزيارة نظم ضابط المباحث موعدا لزيارة عيادة الدكتور مرقص للأسنان التى يديرها ولده الدكتور سامي وأخذ معه الجمجمة التى وجدت فى حجرة السيدة نوال بعد وفاتها.
حين حان موعد دخول ضابط المباحث للدكتور سامي حمل معه صندوق الجمجمة وبدلا من أن يجلس على كرسي الفحص قدم نفسه للدكتور سامي كضابط مباحث وطلب منه أن يتكلم معه على إنفراد فى عدم وجود الممرض.
ظهرت معالم الدهشة على وجه الطبيب وظن أنه ارتكب جريمة وهو لا يعلم ولكن ضابط المباحث أسرع فى توضيح الموقف له وسبب مجيئه قبل أن تتفاقم المشكلة.
سأل ضابط المباحث:
– هل تحتفظ بسجلات أشعة الأسنان لزبائنك ؟.
قال الطبيب:
– قطعا أحتفظ بسجلات أشعة الأسنان لزبائني
قال الضابط:
– لدينا زبون قديم لوالدك يرجع لحوالي ثلاثون عاما مضت فهل يمكن أن نجد سجل أشعة أسنانه.
قال الطبيب:
– تقول ثلاثون عاما مضت؟
قال الضابط:
– نعم
قال الطبيب:
-لا أعتقد أن لدينا سجلات بهذا القدم ولكن لماذا تحتاج صور هذه الأشٍعات.
قال الضابط:
– نريد أن نطابقها بأسنان هذه الجمجمة لنتعرف على صاحبها.
ذهل الطبيب برؤيته جمجمة بشرية وقد ظل ملتصقا بها بعض بقايا الجلد الجاف..وقال لضابط المباحث:
– ما اسم الشخص الذي تبحث عنه؟
قال الضابط:
– أسمه خليل هلال جابر
خرج الطبيب إلى مساعده الجوز عم إدوارد وهو رجل مسن كان يعمل مع أبيه منذ أكثر من خمسون عاما وطلب منه البحث فى سجلات ابيه القديمة عن اسم المريض.
كان عم ادوارد لا يتخلص من أي شيء يخص العيادة وقد رتب كل ما تركه الدكتور مرقص ووضعه فى كرتون فى أحد دواليب المخزن. استطاع عم ادوارد بعد جهد أن يجد ملف المريض خليل هلال جابر وبه ظرف ورقى صغير متسخ أكلت العثة أطرافه وزواياه به صور أشعة اسنان خليل وعاد بها منشرحا إلى الطبيب الذى انشغل بزبون آخر حتى ينتهي عم إدوارد من البحث.
كان ضابط المباحث يجلس فى صالة الانتظار حيث بدأ الطبيب يطابق صور الأشعة القديمة بأسنان الجمجمة المجهولة وبعد أقل من نصف ساعة من الفحص خرج له الطبيب سامي ليؤكد للضابط أن أشعة الأسنان التى وجدت فى ملف خليل هلال جابرهي نفسها الأسنان الموجودة بالجمجمة !
ذهل ضابط المباحث بهذه المعلومات الجديدة فالجمجمة التى بين يديه هي لخليل زوج نوال ولا بد أنها قتلته وتخلصت من الجثة وأبقت على الرأس طيلة هذه السنين حتي لا يتعرف عليه أحد.
ولكن كيف قتلته ولماذا قتلته وهل كان لها شركاء فى الجريمة؟
عاد ضابط المباحث إلى مكتبه يحمل الجمجمة وتقرير من الطبيب سامي مرقص يثبت أن الجمجمة لشخص اسمه خليل هلال جابر وليفتح تحقيق فى محضر اختفاءه الذى مر عليه ثلاثون عاما رغم أن الجاني المفترض قد توفي أيضا.
عاد أحد المحققون لكريمة وأخبرها أن زوجها السابق مات مقتولا وأن الجمجمة التي وجدوها فى حجرة نوال هي رأس زوجها السابق.
ذهلت كريمة لهذه الأخبار وعجزت عن التعليق عليها بعد ان تجمدت ملامح وجهها واتسعت مقلتاها ولا حظ المحقق انها غابت عن الوعي للحظات.
قال المحقق:
- نأسف لهذه الأخبار ولكننا نبحث عمن شارك نوال فى الجريمة فربما يكون على قيد الحياة.
قالت كريمة بصوت متقطع:
– ليس عندي ما اساعدكم به ولكن ابحثوا فى الذين كانوا يديرون شركة نوال فقد تجدون أحد يساعدكم فى ذلك.
بحث المحققون في الملفات القديمة للوصول الى معلومات جديدة تفيدهم فى قضية قتل خليل هلال جابر التى مر عليها أكثر من ثلاثون عاما وعثروا على بلاغ حسن الأخ الأصغر لخليل هلال جابر بقسم الحضرة الذى يبلغ فيه عن اختفاء أخيه.
وجد المحققون أنه قبل تاريخ هذا الاختفاء بأسابيع وجدت بعض الأعضاء البشرية الممزقة فى القمامة فى مناطق مختلفة من الإسكندرية ولم يستطيع البحث التوصل إلى صاحب هذه الجثة أو الإستدلال على باقى أجزائها واكتفت المباحث بتصوير هذه الأجزاء الممزقة ووضعها فى الملف المجهول صاحبه.
عاد أحد ضباط البحث الجنائي إلى الملف وفحص الصور ولاحظ أن كل هذه الأجزاء الآدمية كانت ملفوفة أيضا فى أوراق جرائد بنفس تاريخ الجريدة التى غلفت بها الجمجمة ولكن الدماء غطت معظمها. دقق ضابط المباحث فى الصور ولاحظ أن أحد صفحات الجريدة كتب عليها رقم تليفون بقلم حبر جاف ازرق ولكن لا تظهر كل ارقامه نتيجة التغطية ببقع الدماء.
أخذ الضابط الصورة إلى معمل الأدلة الجنائية حيث استطاعوا كشف رقم التليفون المسجل على ورقة الجرنال.
أخذ الضابط رقم التليفون وذهب به الى الهيئة العامة للتليفونات بحي المنشية بالإسكندرية حيث يحتفظون هناك بنسخ من دليل التليفون منذ نشأته وهناك لم يستغرق الأمر كثيرا حتى وجدوا اسم صاحب رقم التليفون فى هذه الفترة وعنوانه.
توجه ضابط المباحث إلى العنوان وكانت عمارة من أربع طوابق مازالت تقف صامدة بين ألأبراج العالية الى صعدت حولها في حي شوتس بالقرب من المدرسة الأمريكية وقبل أن يدخل الضابط من باب العمارة متوجها للشقة رقم 5 فى العقار وجد بازار صغير تحت العمارة يجلس به رجل مسن.
توجه إليه الضابط وألقى عليه السلام ثم سأله عن شخص اسمه رضا المصري كان يسكن فى هذا العنوان من 30 عاما.
نظر إليه الرجل وحاول التدقيق فيه بصعوبة لضعف نظره وقال:
-ولماذا تسأل حضرتك عن رضا المصري بعد ثلاثون عاما.
قال الضابط:
– أريده لأملر يهمه اذا كان على قيد الحياة.
قال الرجل:
– أنا الحاج رضا المصري… خير يا أستاذ.
أخرج الضابط بطاقته من جيبه وقال للحاج رضا:
– أنا فلان ضابط مباحث بقسم الرمل ونحتاج إليك فى بعض الأسئلة ونرجوا ان تشرفنا بالقسم اليوم الساعة الرابعة بعد الظهر.
قال المصري:
– خير إن شاء الله يا حضرة الضابط؟
قال الضابط:
– ان شاء الله خير بس لازم نشوفك النهاردة لمدة نص ساعة وترجع لمحلك.
أصيب الحاج رضا بالذعر من زيارة ضابط المباحث المفاجئة والذى وصل إليه ليبحث عن موضوع عمره 30 عاما وقبل الموعد المحدد أخذ الحاج رضا المصري معه ابنه الذى يعمل محاسبا فى أحد المحلات التجارية الكبري بالإسكندرية وذهبا الى قسم أول الرمل لمقابلة الضابط فى الموعد المحدد.
كان الضابط مؤدبا مع الرجل وابنه ولكنه طلب من الابن البقاء خارج القاعة قليلا لأنه يريد التحدث مع أبيه على انفراد.
قال الضابط:
– شوف يا حاج رضا أنت هنا للشهادة والإدلاء بأي معلومات قد تعرفها عن جريمة حدثت من ثلاثون عاما تقريبا.
قال الحاج رضا:
– لا حول ولا قوة إلا بالله ..جريمة إيه لا سمح الله أنا راجل طول عمري فى حالي.
قال الضابط:
– أنت هنا لأننا وجدنا رقم تليفونك مكتوب على جريدة استخدمت فى تغليف أجزاء آدمية منذ 30 عاما وبالتحديد فى التاريخ 15 ابريل عام 1975م
صمت الحاج رضا لبعض الوقت وهو يحاول أن يستعيد ذاكرته ولكن الضابط سأله مرة أخري:
– أين كنت تعمل فى هذه الفترة يا حاج رضا؟
قال الحاج رضا:
– انا يا ابني على المعاش من مدة وقضيت طول عمري أعمل في الميناء.
قال الضابط:
– ماذا كان عملك فى الميناء يا حاج رضا؟
قال الحاج رضا:
– كنت أعمل فى كل شيء يطلب منى لأني لا أحمل مؤهلا عاليا ونقلت لأعمال كثيرة.
كيف يمكن الحصول على النسخة الكاملة الورقية