هم العمال بإخلائها الحجرة من أغراض نوال الشخصية التى تركتها خلفها لكي تسلم إلى ذويها إن وجدوا أويتم توزيعها على عمال النظافة بالدار اذا لم يكن هناك أقرباء او ورثة او وصية مكتوبة.
كان من بين المخلفات القليلة التي تركتها نوال في الحجرة صندوقا قديما من الكرتون تم لفه بعناية بورق هدايا داكن اللون ولصقه جيدا من كل الجوانب وكأنها هدية خاصة وضعت بعيدا عن عيون الناس تحت سريرها. حاول عم ابراهيم عامل النظافة فتح الصندوق امام احد مشرفات الدار للتعرف على محتواه وهو يأمل ان يكون بداخله شيئا ثمينا.
مزق عم ابراهيم غلاف العلبة بصعوبة وانتشر غبارها فى المكان وهو يمزق اشرطة اللاصق بشغف الباحث عن كنز وفجأة وجد بداخل العلبة ما لم يكن يتوقعه ابدا فقد كان بداخل الصندوق الورقي جمجمة بكامل مكوناتها داخل الصندوق.
صرخ عم ابراهيم وسارعت المشرفة بالهرب من المكان وصار هرج ومرج وسارع كل من فى ساحة الدار يطالع الصندوق والجمجمة.
قال أحد نزلاء الدار:
هذه جمجمة من البلاستيك يا جماعة .. لماذا كل هذا الهلع؟
قال آخر:
- بلاستيك أو حقيقي.. لماذا احتفظت هذه السيدة بهذه الجمجمة الغريبة ؟ لا حول ولا قوة إلا بالله.
اقترب احد الموجودين وكان طبيبا سابقا ترك مهنة الطب وعمل بالتجارة منذ عقود ونظر للجمجمة وقال:
– هذه جمجمة بشرية حقيقية مثل التى كنا ندرس عليها زمان في كلية الطب ولا بد ان لمدام نوال ولد او بنت كانوا يستخدمونها للدارسة واحتفظت بها للذكري فقط فلا تشغلوا نفسكم بالموضوع الله يرحمك يا نوال لقد شَغلتِ الناس فى حياتك وفي موتك.
حضر مشرف الدار ليفض تجمع عشرات الرجال والنساء المتجمعين حول الجمجمة وقال من فضلكم كل واحد يذهب إلى مكانه لقد طلبنا الشرطة لتأخذ الجمجمة وتتعرف على سرها وليتنا ننسي الموضوع وتعود الحياة إلى مجراها فى الدار وننسي أيضا ان كان هنا أحدا اسمه نوال عاش بينا هنا فى الدار.
لم ينسي الناس فى دار الوفاء هذه الحادثة بسهولة وعاد الغموض يخيم على ما حدث لنوال وسر الجمجمة التى تحتفظ بها تحت سريرها والتى اكتشفت بعد وفاتها.
فتحت النيابة التحقيق في موت نوال مرة أخري وأرسلت الجمجمة للمختبر الجنائي والذى أكد أنها قطعا جمجمة بشرية لرجل فى العقد الرابع من العمر. كانت الجمجمة مغلفة فى أوراق جرائد قديمة يرجع تاريخها لثلاثون عاما مضت ولكن لمن هذه الجمجمة ولماذا احتفظت بها نوال الدرديري لهذه الفترة البعيدة من الزمن.
جري البحث عن المفقودين فى هذه الفترة التي استدل عليها من تاريخ الجرائد المغلفة بها الجمجمجمة وعاد التنقيب عن سيرة حياة الدرديري وماضيها القريب والبعيد وكانت المشكلة الكبري انها لم تكن على صلة بأحد تقريبا حيث عاشت وحيدة لأكثر من عشرة سنوات قبل وفاتها.
جري البحث فى دائرة عمل نوال بكوم البصل غرب الإسكندرية وشركتها التى كان زوجها قد أسسها لها وكان السؤال الملح هو اين ذهب زوجها ولماذا تركها بعد ان استولت على شركتة.
استدلت المباحث على وجود أخ لزوج نوال ما زال على قيد الحياة ويسكن فى بيت العائلة القديم بمنطقة الحضرة وكان الرجل فى السبعين من عمره اسمه حسن ولا يعرف إن كان ما زال يذكر بعض المعلومات التى يمكن الاستدلال بها عن أخيه.
زار ضابط المباحث الحاج حسن فى بيته وكان لا يغادر بيته إلا للمسجد لمرضه منذ سنوات ويقضى معظم وقته فى سريره الذى وضع له فى حجرة الاستقبال أمام جهاز تلفاز قديم.
جلس ضابط المباحث على السرير جوار الحاج حسن الذى نظف نظارته جيدا وجلس منتبها لهذا الزائر المفاجئ الذى حضر له دون سابق إنذار.
قال الحاج حسن:
– خير يا باشا ماذا تريد حضرتك مني؟
قال الضابط:
- سلامتك يا حاج حسن نحن نرغب في معرفة بعض المعلومات عن أخيك خليل.
قال حسن:
– أخي خليل ؟ هل وجدتموه؟
قال الضابط:
– لا نحن نبحث عنه مثلك
قال حسن:
– هل فعل شيئا لا سمح الله؟
قال الضابط:
– أبدا لقد عرفنا أنه كان متزوج من سيدة اسمها نوال الدرديري
قال حسن:
– من هي نوال الدرديري ؟ لقد كان اسم زوجته كريمة..كانت سيدة محترمة
قال الضابط:
-لا نحن نتكلم عن نوال التي تزوجها أخيك خليل بعد كريمة
قال حسن:
– نعم..نعم…تذكرت هذه السيدة ولكننا لم نعرف عنها شيئا فقد تزوجها في السر دون علم أحد ولم نراها أبدا.
قال الضابط:
- حاول أن تتذكر أي شيء يتعلق بالموضوع
قال حسن بعد صمت وهو ينبش في ذاكرتة المجهدة:
- تذكرت شيئا فقبل أن يختفى أخي بالمرة جاء وزارني هنا وكان يجلس على المقعد الذي أمامك هذا وكان حزينا ومكسورا بعد ما كان قبل ذلك دائما منتشيا مثل الطاووس ولا يعجبه أحد.
قال الضابط:
- هل تتذكر يا حاج حسن ما قاله لك وما سبب حزنه وانكساره الذى تصفه.
قال حسن:
– كان حزينا جدا وغاضبا من زوجته الجديدة لأنها طلقته
قال الضابط:
– كيف طلقته ؟
قال حسن:
– لقد كانت قوية على ما يبدوا وترك لها العصمة في يدها وهذا جزاء ما فعله فى زوجته الأولي كريمة ..السيدة الطيبة بنت الناس الطيبين.
قال الضابط:
- ماذا قال لك بالضبط يا حاج حسن ..حاول تتذكر.
قال حسن:
– على ما أتذكر قال انه لن يتركها تأخد أمواله مهما حدث ولكني لم أعرف تفاصيل أي شيء وأخي كان غامضا بطبعه لا يحب أن يعرف أحدا عنه شيئا خاصة أهله ولكنه بعد هذه المقابلة لم يعود إلينا أبدا وبحثنا عنه فى كل مكان وبلغنا عن غيابه فى قسم الحضرة ولكن سرت إشاعة بأنه سافر إلى ليبيا واغلق المحضر ولم نستطيع أن نفعل شيئا وسلمنا أمرنا لله.
قال الضابط:
– ألم يرسل لكم خطابات من ليبيا؟
قال حسن:
– أبدا..فلم تكن علاقته بنا قوية وكان يعيش لنفسه.
قال الضابط:
– هل تعرف إن كان يزور طبيب أسنان معين فى الحي هنا؟
قال حسن:
– وما علاقة هذا باختفاء أخي.
قال الضابط:
– ارجوك أجب عن سؤالى فقط فإجابته تهمنا
تعجب حسن من السؤال وفكر قليلا ثم قال:
– عندما كنا أطفالا لم نعرف الذهاب لطبيب الأسنان ولكن بعد أن كبرنا بعض الشيء وبدأ التدهور في أسناننا بدأنا نزور عيادة الدكتور مرقص وهو الوحيد الذى افتتح عيادة للأسنان فى الحضرة في ذلك الوقت وما زالت عيادته على ناصية الشارع ولكنه الرجل تعيش أنت فقد توفي وابنه الدكتور سامي هو من يديرها الآن.
قال الضابط:
-هل زار أخوك عيادة الدكتور مرقص.
قال حسن:
– كان يزور عيادة الدكتور مرقص حتى قبل زواجه ولكن بعد ذلك عندما فتح عليه ربنا لم يعد يأتي الحضرة بالمرة لا لمرقص ولا لأهله.