ا.د. محمد المليجي
تدهشنا هذه الوجوه والأجسام والعيون والأنوف المتنوعة للبشر فى كل أنحاء العالم فمنهم الأسود والأبيض والأصفر والطويل والقصير وذو الشعر الذهبي كالحرير وذو الشعر الأسود الخشن المنتصب فوق رأسه كالطير. ما هذا التنوع الغريب فى خلق الإنسان ومن أين أتت هذه السلالات البشرية العجيبة؟
ألم يقول الله لنا أننا جميعا خلقنا من آدم وآدم من تراب ؟ فكيف يكون هذا التنوع وكيف يكون آدم هو جد الصينيين والهنود والأوروبيون والأفارقة الذين يختلفون كثيرا فى الشكل والعادات وطرق المعيشة.
كل هذه الأسئلة تمت الإجابة عليها بالعلم ومن خلال مشروع يعتبر أهم مشروع علمى تعاون فيه العلماء حول الكرة الأرضية ليخرجوا لنا بخريطة التركيب الجينومي (الوراثي) للبشر أجمعين وسمي (HGP) The Human Genome Project . يعتبر هذا المشروع مثل مشروع الصعود على القمر الذى بدأ بطائرة الإخوان رايت فى نهاية القرن التاسع عشر. وتعتبر البداية الحقيقة للمشروع فى نفس الفترة الزمنية عندما رسم أحد العلماء الخريطة الجينية لحشرة الدروسوفلا التى تصاحب الموز فى كل المنازل.
بدأ المشروع الجيني عام 1990 وانتهي فى عام 2003م وخصصت له مئات الملايين من الدولارات ليحقق هدفا واحدا وهو رسم الخريطة الجينية للبشر فى كل مكان فكان علماء مصر يعملون على المصريين وعلماء اليابان على اليابانيين وهكذا فى كل مناطق العالم.
دون الدخول فى تفاصيل التجارب العملية المعروفة جدا لكل المختصين الآن فقد استطاع العلماء معرفة التركيب الجيني لكل كروموسوم فى الإنسان والكر وموسوم ببساطة شديدة مثل السبحة تتكون من حبات وكل حبة تسمي جين وكل جين يحكم صفة معينة فى الإنسان. يحمل كل إنسان 23 زوجا من الكر وموسومات ولا يختلف البشر أينما كانوا فى عدد الكروموسومات ولكن الاختلاف يكون فى حبات السبحة التى يتشكل منها كل كروموسوم أو ما نسميه الجينات.
استطاع العلماء رسم خريطة لكل البشر ومعرفة عدد الجينات ووظائفها فى كل كروموسوم في كامل التركيب الوراثى للإنسان ولذلك أصبح من الممكن الآن ما يسمي بالعلاج الجيني وهو العلاج الذى بواسطته تعطل الجينات السيئة التى قد يولد بها الإنسان بالأدوية أو تنزع حبة السبحة المعطوبة التى تسبب مرض الرعاش مثلا ويركب مكانها حبة سليمة.
أصبحنا نعلم تماما تركيب كل جين كيماويا وأتذكر عندما كنا طلاب دراسات عليا فى أمريكا من أكثر من اربعون عاما عندما كنا نفكك الحمض النووي ونعرف مكوناته بالتفصيل فكيف هو الحال الآن بعد أن تطورت العلوم والأجهزة. الحال الآن مخيف جدا بعد أن اصبح من الممكن تصنيع أي جين من مواد كيماوية تخزن فى زجاجات بالمختبرات. ساعدت الدراسات الحديثة على امكانية تصنيع جينات فى المختبر ولهذا تطبيقات رائعة فى المستقبل ولكنه أيضا له مخاطر كبيرة.
بالأمس كنت استمع الى محاضرة عن التطبيقات الجديدة للعلاج الجيني فى خدمة الإنسان وكانت تؤكد أن العمل جاري على قدم وساق لتصنيع قطع غيار بشرية فى الخنازير، بمعني أن يتم تعديل وراثى فى كروموسومات الخنزير ( وهو اقرب المخلوقات قربا غلى الإنسان من حيث تركيب أعضائه التشريحية) باستبدال جينات حيوانية ببشرية ليتكون فى الخنزير قلب يشبه تماما قلب الإنسان أو كبد أو كلي أو بنكرياس بشري لتكون قطع غيار تستبدل بتلك التالفة فى الإنسان.
هذا ليس خيال أو أفلام خيال علمي بل حقيقة الآن وقد تجد هذا العلاج فى الأسواق قريبا على ما يبدو.
نعود الى خريطة البشر الجينية وكيف حدث التنوع البشري والى الحقيقة التى تقرها كل الأديان وهي ان كل البشر مصدرهم آدم عليه السلام. تدل التراكيب الجينية والدلائل الأنثروبيولوجية التى يستدل عليها من التركيب التشريحي لبقايا البشر عبر القرون أن منشأ الجنس البشري هو القرن الإفريقى فى اثيوبيا ثم انتشر الإنسان حول الأرض خلال ملايين السنين تبعا للخريطة المرفقة وكان الإنسان دائما يبحث عن الغذاء والعشب وقد خلق بطبعه مغامرا يصنع المراكب البدائية ويركب البحار ويستأنس الحيوان ليستخدمه فى التنقل والطعام والشراب.
أما كيف تغيرت اشكال البشر فهذا راجع الى شيئين وهما التركيب الوراثى والتأقلم البيئي حيث تستطيع أن تكتشف حولك ببساطة أن لعائلات معينة شكل مميز بسبب التزاوج الداخلي بينهم فى حين لو تم التزاوج مع عائلات مختلفة تظهر فى الأبناء صفات جديدة لم تكن موجودة بين الأبوين ولهذا تفسير علمي لا داعي للدخول فيه ولكنه حقيقة.
السبب الثاني لتنوع البشر هو التأقلم مع البيئة وهذا يأخذ ملايين السنين فلو انتقل رجل اسود إلى دولة اسكندنافية مثلا سيبهت لونه مع الوقت وسيصبح لونه أبيض وتصبح عيونه زرقاء بعد عشرة ملايين عام مثلا لأن صبغة الميلانين التى فى جلده والتى تكسبه اللون الأسود لتحميه من اشعة الشمس وحرارتها فى أفريقيا لن يكون لها ضرورة فى الدول فى شمال أوربا وستتناقص أهميتها مع الزمن حتى ينقرض الجين الخاص بها أو يختفى بالتزاوج مع سكان هذه المنطقة.
يتميز العرب بكبر الأنوف بينما يتميز الصينيين بصغرها وهذا نتج من أن العرب يعيشون فى بيئة صحراوية هوائها معبأ بالرمال ولا بد من وجود فلتر كبير هو الأنف للتخلص من الشوائب بينما فى الجنس الصيني لا حاجة للأنف الكبير بل على العكس فعيشهم فى المناطق الباردة جعل صغر الأنف ميزة لكي لا يستنشقوا الهواء البارد كما أن صغر العينين كان نتيجة لأن الشمس تنعكس على الثلوج وتضعف الرؤية فكان الناس يغلقون عيونهم لخفض شدة الضوء حتى أصبحت عيونهم مع ملايين السنين صغيرة بطبعها والتطور والتغير فى المخلوقات لتواكب بيئتها أمر حقيق وملموس فى كل المخلوقات الحية
لهذا تكونت العشائر البشرية فى الصين والهند والشرق الأوسط وأوروبا ولكل ملامح وصفات تناسب البيئة التى وجد فيها.
الشيء المخيف والذي اصبح فى الإمكان هو إعادة تشكيل الجنس البشري حسب الطلب وأنه أصبح فى امتناول اليد إحياء أجناسا من المخلوقات الحية انقرضت من ملايين السنين كحيوان الماموث الضخم وجد الفيل وربما يكون هناك الآن فى فرنسا نسخ عصرية من الملك رمسيس الثاني ملك مصر يتعلم الفرنسية والهيروغليفية بعد أن احتفظت فرنسا بأجزاء من موميائه عندما ذهب للعلاج هناك. مع العلم أن حمض ال د. ن .ا. DNA الذى يشكل المادة الوراثية للإنسان وكل شيء حي لا يتحلل بسهولة ويبقى كمادة كيماوية بكامل مكوناته لآلاف السنين خاصة اذا حفظ فى ظروف مناسبة.
نعود لقصة الخلق فى كل الأديان التى تقول أننا من آدم وأن آدم من تراب ونحن نؤمن أن الله قادر على كل شيء يقول له كن فيكون ولكن لا ننسي أن آدم خلق فى الجنة وتراب الجنة قطعا يختلف عن التراب الذى نعرفه وقد يحتوي تراب الجنة كل مكونات آدم التى نراها الآن وجميعها فى النهاية مواد كيماوية بحته نتعرف عليها بسهولة فى ألمختبرات أما روح آدم فهي قطعا من الله ولا علم لنا بها.
ويأتي السؤال الصعب وهو أنه حتى ولو شكلنا تركيب إنسان جديد من الصفر فى المختبر وهذا ممكن علميا فمن سيبث فيه الروح إلا الله ؟
Tags DNA gene maping سلالات بشرية كروموسومات