بدايات الهندسة الوراثية
د. محمد المليجي :كنا ثلاثة من العلماء الشباب محمد من مصر وتينا من انجلترا ونيل من أمريكا نعمل باحثين في مختبر للهندسة الوراثية تحت إشراف عالم مشهور اسمه جيمس شيبرد بجامعة كانساس ذاع صيته وتدفقت عليه الأموال والمنح لإجراء البحوث الطموحة والتى تحل مشاكل الحاضر والمستقبل، كان جيمس ينتقى مساعديه بدقة لان العمل في الهندسة الوراثية فى ذلك الوقت مع بداية الثمانينات كان في بدايته ولم تعرف أسراره بعد وكان الخيال فيه اكثر من الحقيقة أحيانا.
كنت مثل شيبرد طموحا مثله رغم فرق السن والخبرة بين العالم والمتعلم ولكنى بسرعة غير عادية اندمجت في هذا العلم وأصبحت اطرح الأفكار وكيفية تنفيذها على أستاذي الذي كان يوافقنى في معظمها وبدأ العمل في غاية السرية في مشاريع كانت تبدوا مجنونة ولكنها تحققت. وكان عيب هذا العمل هو انه لا ينشر بسهولة في المجلات العلمية لانه ممول من جهات ترفض نشر اختراعاتها خوفا من سرقة أسرارها التى تهدف الى استخدامها تجاريا وكنا نوقع عقودا ومواثيق بعبد تسريب ما وصلنا اليه لأى جهة غير تلك الممولة للبحث.
كنا نعمل ليل نهار في تطويع ذلك الكائن الحي العجيب المسمي بالنبات فنفكك خلاياه تماما بأسلوب علمى وتراكيب انزيمية لا تعد ولا تحصي حتى نحصل على خلايا نباتية حية تماما وخالية من الجدر الصلبة لنحصل على ما نسميه بالبروتوبلاست الحي.
كانت تينا الانجليزية القادمة للعمل معنا من هارفارد متخصصة في عمل التحضيرات الانزيمية التى أقوم بتجربتها على تجريد الخلايا من جدرها وكان الزميل نيل الأمريكى متخصص في الكيمياء الحيوية يحضر المحاليل والبيئات التى تبقى على الخلايا المفككة حية بل وتدفعها الى التضاعف.
وكنت انا مسئول مع العالم شيبرد في اللعب بهذه الخلايا وتوجيهها الى الوجهة التى نريدها لها ان تكون لإنتاج أصناف جديدة تماما لم تعرفها الحياة من قبل من البطاطس والذرة وغيرها من المحاصيل بحيث تكون مقاومة للأمراض والملوحة وتعطى محصول وفير.
كنا نري هذه الخلايا الفردية او البروتوبلاست عالما لا نهائيا من الفرص لتحسين خواص النبات بل وربما الحيوان والإنسان فيما بعد حيث تمكنا من الحصول على آلاف النباتات المختلفة الصفات من ورقة بطاطس واحدة وكانت معجزة المعجزات التى لم نتوقعها أبدا هى ان نحصل على هذا التنوع في النباتات دون تزاوج ودون أجنة ودون خلط في الصفات بين نباتات مختلفة. حصلنا على نباتات بطاطس طويلة وقصيرة وصفراء وخضراء وبنية في تشكيلة لا نهائية. ويجب ان تعرف ان الانتقال من الخلية الى نبات يمكن مشاهدته يستغرق شهورا من العمل.
نقلت وكالات الأنباء اخبار مختبرنا وحضرت الينا اكبر محطات الأخبار في امريكا وكنا قد أعددنا انفسنا للقائهم وكان لقاء CBC معى حوالى عشرة دقائق اختصر في النشرة العامة الى 15 ثانية فقط. المهم ان هذا النشر عن مختبر الهندسة الوراثية الاول في امريكا كان له مميزاته وعيوبه.
وجدنا مؤسسات دينية تشن حربا علينا بأننا نغير في خلق الله وتحاربنا بصورة عامة وشخصية وكم من مرة ارسلت الى شيبرد ونحن معاونيه خطابات تهديد بالقتل وما زلت احتفظ بأحد هذه الخطابات وفى الجانب الآخر حاولت بعض الشركات الكبري شرائنا من الجامعة بأي ثمن ونجحت فعلا في شراء الرأس الكبير وخافت الزميلة تينا وعادت الى انجلترا وبقيت انا وهم يحاولون اغرائي بضعف المرتب وبالتهديد احيانا وكنت احاول إتمام مشروع بحثى سيطر على مخيلتي رغم انه لم يكن من تصميمي بل من تصميم العالم جيمس شيبرد.
كن نحاول ان نتتج نبات يحمل صفتى الطماطم والبطاطس فينتج بطاطس تحت التربة وطماطم فوق سطح التربة وكان العمل فيه على قدم وساق منذ فترة وعلى وشك النجاح.
كنا نفصل ونفكك خلايا البطاطس الطماطم انزيميا ثم ونأخذ كل خلية منفردة ونحاول لحام خلية من البطاطس وأخريات من الطماطم معا في غشاء بلازمى واحد باستخدام مركبات كيميائية معينة ثم ندفع الخلية ذات النواتين للعمل وهذا لا يمكن حدوثه الا في بعض النباتات منها الطماطم والبطاطس. نجحت اخيرا عملية الالتحام وحصلنا على اول نبات هجين بين الطماطم والبطاطس سمي Pomato وكان لا يتعدي طوله عدة سنتيمترات وأنتج درنات مثل حبات الحمص وثمرة طماطم واحدة ورغم عدم جدوي النبات اقتصاديا الا انه كان فتح علمى مبكر للهندسة الوراثية والآن تطور البحث في هذا الموضوع ونتجت نباتات اخري مماثلة ويجد في الأسواق نبات بوميتو مثمر للبطاطس والطماطم ولكن إنتاجه ليس بطريق التحام الخلايا ولكن بتطعيم برعم طماطم على ساق بطاطس.
زارنا وقتها الزميل الاستاذ الدكتور عبد السلام جمعة أبو القمح في منطقة الشرق الأوسط وشاهد هذا النبات الذي أنتجناه في سرية كاملة وعرض عليا الانتقال الى وزارة الزراعة في مصر وإنشاء مختبر للهندسة الوراثية وسألته عن إمكانيات البحث هناك لعمل مثل هذه التجارب المكلفة وكان من غير الممكن اجراء مثل هذه البحوث في مصر وسيكون ذهابى الى هناك مضيعة للوقت.
ما لم يعرفه الناس ان في تجارب الهندسة الوراثية قديما وحديثا مفاجئات لا تحصى فاللعب مع جذور الحياة والخلايا والجينات لا يمكن توقع نتائجه فقد صادفتنا ظواهر مرعبة عندما تجد بعض الخلايا النباتية ترفض ان يتكون لها جدر او حتى يتكون بها كلوروفيل وتتشكل أمامك مثل الجنين البشري بصفات حيوانية بحته ولا يمكن في هذه الحالة الا ان توقف التجربة وكم سمعنا في قصص الخيال العلمي عن الرجل الأخضر الذي تمت زراعة البلاستيدات الخضراء في خلاياه ليقوم بالبناء الضوئي مثل النباتات ولا حاجة الى الأكل والشرب الذي تعودنا عليه.
كل الأشكال للمخلوقات العجيبة التى تراها في أفلام الخيال العلمى ممكنة وهي تشوهات وراثية للتفاعل بين نبات وحيوان وحشرات وهذ ممكن لو تحقق الالتحام بين خلايا هذه المخلوقات كما فعلنا نحن في النباتات.