هذا ليس بعادي
محمد المليجي: تتعجب عندما تشاهد أحد المظاهر الشاذة التي تتأذي منها بشدة وتكون بالنسبة للآخرين شيء عادي. الانفلات الاخلاقي ظاهرة تختلف عن الانفلات الأمني ولكنها قد تكون بنفس خطورة الانفلات الأمني ولكنها للكثيرين في مصر أصبحت شيء عادي، والانفلات الاخلاقي يتمثل في الفوضي والإزعاج المستمر من طبقة من المواطنين الذين يضربون بالقانون عرض الحائط ويسلبون الآخرين حقهم في العيش بسلام، ويعتبرون ان ما يفعلونه شيء عادي ومظاهر هذا الانفلات الاخلاقي تشاهدها كل يوم بل كل ساعة في الطريق بأشكال وصور عديدة منها
1- إلقاء القمامة في عرض الشارع وتناوب بعض البشر عليها لتمزيقها وفصل مكوناتها في عرض الشارع بأشكالهم القذرة غير العابئة بنظرات وتأفف المارة لما يرتكبوه من عمل مقزز ومقرف في كل احياء المدينة ولا تجد من يزجرهم أو يمنعهم من هذا الفعل المشين وقد يقول قائل انهم فقراء ولا يجدون فرصة للعمل الا هذا وأقول لهم بالعكس هؤلاء ليسوا فقراء ولكنهم استسهلوا الحصول على المال بهذه الطريقة المقززة واستباحوا حرمة الشارع ونشروا القذارة في كل مكان من أجل مصلحتهم فانتشروا كالذباب في كل اكوام الزبالة ليزيدوا الطين بلله ولينشروا الأمراض بين الناس والمشكلة ان الناس تعودوا على هذا المنظر القبيح كل صباح وكل مساء ولا توجد جهة توقف هذا الوباء وتجمع هؤلاء البشر وتغسلهم وتنظفهم وتشغلهم في شركة لفرز الزبالة مثل كل بلاد الدنيا ولكن هل سيرضي هؤلاء البشر بهذا أم سيرفضون الوظائف ويمارسون سلوك الخنازير اليومية في عرض الشارع ليظل هذا القبح اليومي شيء عادي.
2- ظهرت فئة من الشباب يمتلكون موتسيكلات مزودة بأجهزة تسجيل تطلق أصوات وأغاني فظيعة بصوت مزعج يقلق كل من يسمعه وينطلقون في الشوارع وعكس الاتجاه بصورة مخيفه
و عندما استوقفت أحد الشباب لكي أقول له انك تزعج الناس بهذا التسجيل الشاذ في سيرك بالشارع فنظر لي هو ورفيقه يتعجب شديد وقال لي هذا عادي ولم أفهم منه ماذا يقصد بعادي فكرر الكلمة ورفع صوت التسجيل اكثر وانطلق وهو يقول عادي.
3- ظاهرة البائعين المتجولين الذين يستخدمون ميكروفونات مزعجة للغاية وأصوات نشاذ من السابعة صباحا الى العاشرة مساءا من الكلور الكلور الى حلوة وحمرة وزي العسل بستة جنيه، ويستمر الصخب لدرجة انك احيانا لا تستطيع الحديث مع أهلك من الصراخ المتصل في الشارع ولا ندري من لديه السلطة لوقف هذا الصداع اليومي للناس ولكن هذا اصبح للكثير من الناس شيء عادي.
4- ظاهرة اطلاق الخرطوش والرصاص والصواريخ بمناسبة وبدون مناسبة وبطريقة مفزعة فلا تمر ليلة دون ان تهتز فرائسك من هذه الغوغائية والمشكلة الاكبر ان الناس تعودوا على هذه المصائب واعتبروها أيضاً شيء عادي فلا تجد من يعترض او يبلغ وعندما حاولت اتخاذ موقف من هذا منعني الجميع لسببين وهما انه لن يستجيب لشكواي احد وأن من يطلق الخرطوش غالبا من البلطجية الذين لا يجب التعرض لهم وهكذا تستمر الكوارث كشيء عادي.
5- ظاهرة التعدي على الشارع بواسطة البائعين المتجولين وأصحاب المحلات والدكاكين الذين امتلكوا الأرصفة والشوارع وحرمنا الناس من حقهم في السير في أمان فقد وضعت القهاوي مقاعدها في ثلث الشارع وافترش البائعين كل الأرصفة وسدت الميادين بالأحذية والملابس والفاكهة والخبز والأكسسوارات بصورة غريبة وتعود الناس على هذه الفوضي وأصبح بالنسبة لهم شيء عادي.
6- كل واحد في شوارع مصر اقتص جراج لسيارته من عرض الشارع وحدده بحديدتين وجنزير وحفر الأسفلت ليثبت حدوده والبعض صف كتل من الحجارة ليمنع الأخرين من ركن سياراتهم وضرب كل الناس عرض الحائط بالقوانين التي تقول ان الشارع ملك عام ليس من حق أحد ان يستحوز علي جزء منه لأي سبب ولكن كل واحد يحل مشكلته على حساب الآخرين ومشكلة مواقف السيارات لا تجد حلا وتسبب منازعات يومية بين الجيران ولكن هذا اصبح أيضاً عادي.
والآن وبعد الثورة سأعتبر أن الثورة نجحت لو قضينا على هذه الظواهر الشاذة واستطعنا ان نقنع شعبنا انها ليست شيء عادي.
دكتور محمد المليجي
30 يونيو 2012