الرئيسية / القصة والرواية / رحم الله إمريء عرف قدر نفسه Biography

رحم الله إمريء عرف قدر نفسه Biography

رحم الله إمريء عرف قدر نفسه
محمد المليجي
بعض الناس يسير فى الأرض كالطاووس منتشيا ومتكبرا يطل على الآخرين من طرف أنفه ويظن أن الناس تراه كما يري نفسه فى حين ان الناس تراه مجرد دجاجة مثل كل الدجاج الذي يمكن ذبحه فى أي وقت ولن تتغير احوال الدنيا بغيابه او حضوره
تعلمت هذا الدرس مبكرا جدا فى حياتي عندما كنت فى السادسة من العمر وكان لدينا دوار كبير بأحد أركانه زريبة مكشوفة للحيوانات تقضى بها الحيوانات يومها نهارا ثم يأخذها الكلاف لتشرب من الترعة المارة جوار الدوار مباشرة ثم يعود بها لتدخل فى زريبة اخري مغلقه لتقضى الليل. هذا كان البرنامج اليومي الذي تمر به الأبقار والجاموس والخيول والحمير التى كنا نقتنيها وكان يقوم بهذه المهمة رجلين دائما.
كنت أجلس مع أبي فى أمان الله فى البيت الذي يبعد عن الدوار حوالى ١٠٠ متر وقبيل المغرب طلب مني ابي أن اساعد الكلاف فى ادخال الحيوانات من الزريبة المكشوفة الى المغطاة لأن رفيق الكلاف غائب. لم أتقبل الأمر بسهولة وأحسست بالإهانة لأن ابى انتقاني دون اخواني الأكبر منى للقيام بهذه المهمة المهينة فى نظري. خرجت من البيت واتجهت الى الدوار وكان الكلاف يحل الحيوانات من مربطها تمهيدا للذهاب الى الترعة وكانت الحيوانات مبرمجه تعرف المطلوب منها تماما. رآني الكلاف وبدون اي كلمة رفعني ووضعنى فوق أحد الخيول وكنت فى هذا العمر اجيد ركوب الخيل. تحركت القافلة نحو الترعة وشربت الحيوانات وشكرت ربها وكان ماء الترعة فى هذا الوقت انظف من ماء صنابير هذه الأيام العكرة.
عادت الحيوانات تلقائيا من الترعة نحو الزريبة المغلقة وانا فوق ظهر الفرس نعناعة وأسرعت الحيوانات عندما رأت باب الزريبة الكبير وانحشرت وهي تدخل من الباب وإذ بقرن جاموسة يكاد يسحق فخذي المدلي من فوق ظهر الفرس. شعرت بألم شديد وعندما نزلت من فوق ظهر الفرس شعرت بالألم اكثر ولكنه زال مع الوقت ولكن الذي لم يزول هو غضبي من أبي والاصرار على عقابه لما فعل بي دونا عن اخواني.
فكرت كيف أعاقب ابى على فعلته المهينة لى التى كادت تسحق رجلى معها فقررت أن أختفى من البيت وأجعلهم يبحثون عني وكان المغرب قد حل وأظلمت القرية وعاد الناس من الحقول الى البيوت لتناول العشاء وعم الصمت فى كل الأرجاء. حتى الكلاب والبط والإوز عاد الى البيت وانتظر العشاء الذي يكون غالبا من بقايا البشر.
هداني تفكيري البسيط ان اختفى تحت السرير وكان لدينا فى حجرة الصبيان سرير كبير من النحاس الأصفر له داير وعساكر ومرايات وكأنه ستر او مقام السيد البدوي عليه رحمة الله. كان السرير مرتفعا كثيرا عن الارض ولكننا كنا ننام عليه دون ان نعرف ما هو تحته بسبب غطاء المرتبه الكبير المدلي حتى الارض.
تسللت ودخلت تحت السرير دون ان يراني أحد ونيتي ان أبقى فى هذا المخبأ حتى تحفى اقدام الأسرة فى البحث عني عقابا لهم ولأبي بالذات الذي أهانني.
وجدت تحت السرير عدد من القلل الجديدة المخزنة فجلست بينهم لا حس ولا خبر وكان وقت العشاء قد حل ومن عاداتنا ان الوالد والاخوة الذكور وبعض من يعملون لدينا من الرجال يتناولون العشاء سويا فى الحجرة الكبيرة او المندرة المجاورة بينما تتناول النساء والاخوات البنات عشائهم فى الجزء الغربي البعيد من البيت. تصاعدت رائحة الطعام وانا فى انتظار ان يسأل والدي أين محمد ولكن لم يحدث ولم يذكرني أحد بالمرة. انتهي العشاء وبدأت حفل شرب الشاي وقدوم الزوار الى مجلس ابى ولم يسأل أحد عني والجوع كاد يقتلني.
جلست اتحدث لرفاقى من القلل تحت السرير واستشيرهم فى الأمر بعد أن شعرت أن الفروق بيننا زالت وأنه لا أهمية لشخصى فى هذا البيت العامر بالذكور والإناث وان راح محمد فيه غيره يسد.
دفعني الجوع للخروج بعد ان فشلت خطتي فى ان أعاقب والدي رحمه الله واتجهت الى والدتي ابحث عن عشاء وكانت تظن اني تناولت العشاء مع والدي بينما كان ابي يظن اني تناولت العشاء مع أمي او هكذا أقنعت نفسي حتى لا افقد الثقة بأهميتي فى هذه العائلة الكبيرة.
ورحم الله امريء عرف قدر نفسه.
الصورة المرفقة للدوار وللفرس نعناعة بعد أسبوع من ولادة الفرس صدفه ومعى اخواني عبد السلام والسيد وحمدي ورفيقنا ونحن صغار فتحي عيسي والتقط الصورة اخي راجح رحم الله من توفوا واطال عمر الأحياء

عن admin

اقرأ ايضاً

الفن في المعركة

رسومات عن الحرب في غزة بعد ٧ اكتوبر ٢٠٢٣

Leave a Reply