حوار وطني مع السيد صفوت الشريف
ا. د. محمد المليجي
تلقيت دعوة كريمة من صديقي لي عضوا بمجلس الشوري المصري لحضور حفل زفاف نجله وكان الحفل في قصره الفخم باحد المنتجعات الجديدة المعروفة بضواحي القاهرة. دخلت من بوابة شاهقة الإرتفاع تتدلي منها الورود وتتدفق حولك الروائح الزكية من تنوع رائع من الأزهار
وقد صفت الطاولات باناقة شديدة بواسطة احد فنادق القاهرة الشهيرة واستقبلني رجال ونساء يرتدون زي أنيق مكون من جاكيت حمراء بياقة سوداء وقميص أبيض وربطة عنق مميزة و كانت المقاعد مرتبه بالإسم وأجلسني هؤلاء في طاولة محددة كتب عليها إسمي ضمن مجموعة أخري من الأسماء ، كنت من اول الحاضرين كعادتي ولكني فوجئت ان صديقي هذا وضع مقعدي على نفس الطاولة التي سيجلس بها السيد صفوت الشريف رئيس مجلس الشوري وبدأ الحفل رويدا تحت الأضواء الخافته دون ان يحضر السيد صفوت الشريف وظل مقعده خاليا وتوقع الجميع على الطاولة عدم حضوره، ولكن بعد ساعة تقريبا من البداية حضر الرجل متأنقا كعادته وجلس بعد ان حيانا جميعا وكانت جميع الأنظار تتجه الي طاولتنا ، وللحقيقة لم يسبق لى لقاء الرجل بالمرة وهوشخصية معروفة تتصف باللباقة في الحديث والدفاع عن النظام والحزب الوطني في كل مناسبة وكنت الوحيد على طاولته الذي لا يعرفه حتي اتي صديقي عضو مجلس الشوري وعرفه بي اما باقي الجلوس معنا فكانوا ايضا من اعضاء المجلس ومعروفين لدي رئيس المجلس.
كنا نجلس في ركن بعيد نسبيا عن ضجة الحفل ويمكن ان نتحدث ونسمع بعضنا البعض وكانت حولنا حراسة ترقب من بعيد كل شيء وتفهم بسرعة ما يريده الضيف الكبير، عندما قدمني صديقي الى السيد صفوت الشريف قال له انني اقيم خارج مصر ومعظم وقتي أقضيه بالولايات المتحدة الأمريكية.
أثناء تبادلنا اطراف الحديث حول أحوال مصر نظر الي السيد صفوة الشريف وسألني .. هل انتم سعيدون بالرئيس أوباما ؟
قلت له حتي الآن لا بأس ولكن سيادتك تعرف ان امريكا بلد مؤسسات ويحكمها نظام ديمقراطي قوي ولا يؤثر الرئيس كثيرا في مجري حياة الناس.
قال ونحن ايضا في مصر يحكمنا نظام ديمقراطي يتمثل في مجلس الشوري ومجلس الشعب ولا يمرر قانون الا بعد دراسة متأنية وشامله
قلت له انا لست متابعا جيدا لما يحدث في الحياة النيابية في مصر بحكم سفري الدائم واقامتي في الخارج ولكني اشاهد احوال مصر
من خلال زياراتي المتكررة لمصر وأري الأمور تسير من سيء الي اسوأ كل عام.
اعتدل السيد صفوت الشريف في مقعدة وظهرت على وجهه علامات الجدية والصرامة واستعد بعض الزملاء الجالسين معنا للمساهمة في الرد على كلامي ولكنه اشار اليهم بيده بانه سيرد بنفسه..
وقال هل تعرف حجم انجازات الرئيس مبارك والحزب الوطني في فترة حكم الرئيس؟
قلت لا شك ان هناك انجازات لا تنكر ولكن مشاكل الناس والبلد كثيرة.
قال عندما تسلم الرئيس مبارك الحكم كانت فترة الإنتظارللحصول على تليفون سنوات والآن انظر حولك ستجد في يد كل مواطن مصري موبيل.
قلت له هذا صحيح اذا اعتبرت هذا انجازا ولكني استطيع ان اقدم لك كشف حساب بكل ما حدث في مصر في ثلاثون عاما وهي فترة حكم الرئيس مبارك ونستطيع ان نحسب التغير الذي حدث في شؤون الوطن الإقتصادية والتعليمية والصحية والأمنية
صمت الرجل قليلا ثم قال ..ممكن توضح كلامك
قلت له كلامي لن يحل مشاكل مصر ولكنه مجرد وجهة نظر قد تصيب او تخيب
قال بالعكس نحن نرحب بكل نقد بناء وربما أعدل لك بعض انطباعاتك عن مصر
قلت له أنا اري ان الفقر انتشر حاليا وبعد ان كان محصورا في طبقة محددة من الفقراء اصبح الموظف الشريف واستاذ الجامعة والصيدلي والضابط والمحاسب فقيرا لا يفي مرتبه بحاجاته اليومية وينام ليله بعيون يقظة يفكر فيما سيفعل عندما ياتي عريس لإبنته او تطلبت زوجته عملية جراحية مفاجئة وكيف سيوفر شقة لإبنه الذي تخرج ويبحث عن عمل بلا جدوي.
قال الا يوجد متسولين وباحثين عن الغذاء في القمامة في امريكا وانجلترا وفرنسا
قلت له نعم يوجد هؤلاء الناس ولكنهم قلة وليسو من الطبقة المتوسطة التي تحدثت عنها و الدولة تحاول جمعهم ووضعهم في اماكن ايواء وتصرف لهم الغذاء وتبحث لهم عن وظائف ولا تتركهم مثل ما يحدث هنا .
قال هل تعرف كم خفض السيد الرئيس من ديون مصر الخارجية بعلاقاته الطيبه مع الدول الدائنة
قلت نعم خفض الكثير من ديون مصر ثمنا لموقفه من حرب الخليج ولكن كم هي ديون مصر الداخلية والخارجية الآن ؟ والمقياس الحقيقي هو مستوي معيشة الشعب ومدي التطور او التدهور في حياة المواطن المصري فقد اصبح الحصول على مسكن للمواطن في عصركم حلم يؤرق مضجع الجميع فتوقف الشباب عم الزواج وتعنست فتياتنا وزاد الفساد الخلقي في المجتمع وانتشرت المخدرات في كل طبقات المجتمع وسعي الشباب الي كل وسيلة نقل تمكنهم من الهروب من مصر لأي دولة حتي ولو كانت اسرائيل بل وفضلو الغرق في البحر المتوسط عن العيش في مصر وقبلوا مهانة وذل نظام الكفيل بدول الخليج.
قال: لقد أنت تتجاهل زيادة عدد السكان الى الضعفين دون وجود مصادر طبيعية حقيقية في مصر
قلت: وهذه وظيفة الدولة ان تخلق المصادر والفرص للعمل بما يتمشي مع زيادة السكان وتصنع المستقبل لمئة عام قادمة وهكذا تخطط الدول المتقدمة
قال هل تعرف كم تنفق الدولة على التعليم والصحة فقط في عصر مبارك
قلت له لا اعرف كم تنفقون ولكن بلا شك ان اكبر كارثة حلت بمصر في عهدكم هو فساد وتخلف سياسة التعليم فقد هجر الطلاب والطالبات المدارس في عصركم وانتهت وزارة التربية والتعليم وخلت البيوت والمدارس من التربية القويمة وجردت العقول من التعليم الحقيقي، وترك الأهل والتلاميذ فريسة للدروس الخصوصية والمدرسين الذين غابت ضمائرهم وفتحو مراكز الدروس الخصوصية التي تمتص دماء الشعب على مرئي من الدولة ، وانتقل التدريس من المدارس الي البيوت وانتهت وظيفة المدرسة بالمدرسة تماما وأصبحت الدروس الخصوصية هي وسيلة التعليم في مصر .
قال لقد اتحنا فرص التعليم للجميع بحرية كاملة وفتحنا المدارس والجامعات الخاصة كما تفعل امريكا وأوربا
قلت له ياريت ياسيادة الوزير تنزل مرة على رجليك وتسير في شوارع البلد وتري بنفسك آلاف الشباب خريجي الجامعت الذين يبيعون علب الورق والتين الشوكي والملابس المستعملة ويعملون في المعمار في مهن لم يتدربوا عليها، هؤلاء هم حصاد سياسات التعليم الفاشلة وحرية التعليم بدون تخطيط. في عصركم كثرت المدارس والجامعات الخاصة التي ليس لها اي هدف سوي الربح والتي استغلت سذاجة وطموح المصريين الباحثين عن الألقاب والشهادات التي ليس لها اي عائد والتعليم الذي عرفناه وتعلمناه وتعلمت انت من خلاله ضاع في عصركم وتدهورت اصول التربية واختفي الشعور بالوطنيه وأصبحت الدنيا في عيون الشباب مجرد مادة واختفت الإنسانية من الشارع وبين الجيران وحتي بين الأقارب لأن كل اسس التربية والتعليم القويم انتهت في عصركم.
قال يبدو انك متشبع بمعلومات الصحف المعارضة والصفراء التي تكيد كل يوم لمصر وحكوماتها لمجرد بيع اكبر عدد من الجرائد ولا تنسي ان لدينا نظام صحي متاح لكل الشعب يحاول اوباما ان يعمل مثله
قلت له اي نظام صحي تتحدث عنه يا سيادة الوزير لقد زاد انتشارالأمراض في مصر وحصدت خيرة شباب مصر فلم يفرق فيروس سي بين العالم والجاهل والفقير والغني وانتشرت أمراض القلب لكي تصبح مصر اكبر دولة في العالم من حيث نسبة الإصابة بأمراض القلب لأن قلوب المصريين تتحطم وتتعرض للضغط يوميا في العمل وفي البيت وفي الشارع الملوث بكل اسباب الأمراض، انتشر السرطان بسبب تلوث البيئة والغذاء بالكيماويات المسرطنة وعز الدوا ء وتضاعفت اسعاره وتركتم الفقراء يموتون لعدم قدرتهم على شراء الدواء فلا تأمين صحي ولا علاج على نفقة الدولة الا لعلية القوم.
قال ومع كل ما تتدعيه مصر بلد الأمن والأمان ولا يستطيع احد ان ينكر ذلك فقد قضينا تماما على الإرهاب وكتمنا انفاسه
قلت له هذا شيء لا انكره لأني أحس بالأمان فعلا في وطني ولكن ياسيادة الوزير لقد قضينا الثلاثون عاما السابقة تحت سيف قانون الطوارء وانشغلت وزارة الداخلية بالبحث عن الإرهابيين والإخوان المسلمين والضحية هم ابناء شعب مصر، فقد انشغلت الدولة بأمنها ونسيت تماما امن المواطن فاستشرت الجريمة واصبحنا نطالع كل يوم اصناف من الجرائم لم نسمع عنها من قبل وكأن اشارع المصري اصبح غابة تسكنها وحوش مفترسة لا تعرف الرحمة وفي هذه الأيام اختل الأمن ووصل الذعر من المجهول الي درجة مخيفة ولكي تصدقني فتش منازل وسيارات المواطنين العاديين الذين لا يملكون نفقات البودي جارد وستذهل بعدد الصنج والسيوف وعصيان البيسبول والمسدسات والرشاشات الموجودة لديهم وذلك ببساطة انه لا توجد وزارة داخلية تحمي المواطن.
و أثناء اندماجي في الحديث عن مشاكل مصر الزراعية والتجارية ..فجأة سطعت الأضواء في مكان الحفل ولم أجد سعادة رئيس مجلس الشعب او أي من الحضور حولي ولم اشاهد سوي سقف حجرة نومي و زوجتي فوق رأسي توقظني من نومي لصلاة الفجر قبل ان تشرق الشمس وحزنت كثيرا على ضياع نومي في حديث لم يسمعه أحد ولكني حمدت الله على انه كان مجرد حلم.
د. محمد المليجي
في 10 اكتوبر 2010
www.meleigi.com