قصة نمل الأرض الطيبة والفيل المغتصب Ants and Occuping Elephant
حدثنا التاريخ أنه كانت هناك أرضا طيبة يسكن فيها جماعة من النمل يبنون فيها أعشاشهم ويسعون ليل نهار لجمع غذائهم ويرعون صغارهم في امن وأمان, وفي أحد الأيام سمع النمل دبيب كأنه زلزال فخرج بعضهم يستكشف الأمر فإذا بهم يرون جسما ضخما يقترب من المكان ويدك تحت قدميه أعشاشهم الواهنة ويسحق صغارهم وكبارهم بلا رحمة أو مبالاة فهرب بعضهم لأرض أخري واستنجد البعض الآخر بقبائل النمل المجاورة لكي تساعدهم في طرد هذا حيوان المجرم.
استجابت بعض قبائل النمل لنجدة إخوانهم نمل الأرض الطيبة وزحفوا إلي ساحة القتال ولكنهم نالوا ما اصاب جيرانهم من قتل وتدمير فانسحبوا إلي ديارهم مهمومين محزونين ومترقبين خوفا من أن يقرر هذا الفيل أن يمر يوما بأرضهم ، تكاثر نمل الأرض الطيبة في المساحة الضيقة التي تركها لهم الفيل المحتل الغاصب الذي استأثر بمعظم ارض النمل الطيبة وكان يمنع أن يتسلل إليها نمل الأرض الطيبة أو أي نمل آخر، وتعود الفيل كل عدة سنوات أن يعود ويدوس أعشاش نمل الأرض الطيبة مرة أخري فيقتل من يقتل من الصغار والكبار ليذكرهم بوجوده ويخيف جيرانهم الذين هبوا لمساعدتهم في السابق فلا يفكرون في ذلك مرة ثانية.
الفيل المغتصب
ظل حكماء نمل الأرض الطيبة يبحثون عن حل لهذه الكارثة وكيف يطردون أو يتعايشون مع هذا الحيوان الشرس الذي احتل أرضهم وقتل صغارهم وشرد أهلهم، ونشأ بينهم شبابا من النمل متمردين ساخطين خبرتهم قليليه بالحياة أشاعوا أن لديهم خطة للقضاء على الفيل واستطاعوا إقناع رفقائهم من شباب نمل الأرض الطيبة بهذه الخطة..وسارت الإشاعة في كل جحر من النمل بأن جماعة شباب النمل ستخلص شعب نمل الأرض الطيبة أخيرا من الفيل المحتل ليعيش النمل في سلام، اقتنع البعض وسكت البعض واعترض البعض ولكن فكرة شباب النمل رجحت كفتها وأخذ هؤلاء موقع القيادة فدبروا ونفذوا خطتهم التي تمثلت في عمل حفرة كبيرة في شكل نفق تحت الأرض ثم يذهبون لأرض الفيل لإثارته وجعله يتبعهم إلي الأرض الطيبة ليقع في الحفرة ولا يخرج منها ويموت ويتخلصون من شره ويحررون وطنهم منه، لم يدرك جماعة شباب النمل أنهم بسبب أسلوبهم العنيف للحصول علي القيادة في الأرض الطيبة قد أوجدوا أصدقاء للفيل من بينهم وأصبح أصدقاء الفيل يقتاتون علي فتات طعامه مقابل نقل كل إخبارهم إليه وان الفيل يراقبهم ويتابع عملهم عن قرب.
أعد شباب نمل الأرض الطيبة خطتهم وجهزوا حفرتهم وأرسلوا بقوافلهم لمشاكسة الفيل البغيض الذي كان على علم بكل خططهم وجهز نفسه لجولة أخري من الدوس والهرس في جحور نمل الأرض الطيبة غير مهتم بحفرتهم الكبيرة التي تركهم يحفروها فعاد الفيل للأرض الطيبة ليعيث فيها فسادا ويقتل من يقتل ويدمر ما يمكن تدميره، واستغاث نمل الأرض الطيبة بجيرانهم من النمل إلا أن دعوتهم لم تلبي إلا بالتظاهر والتمني والدعاء فلا قبل لأحد منهم بهذا الفيل خاصة أنهم عرفوا أن له أفيال أخري من قرنائه قد يستعين بهم فيأتون إلي بلاد النمل ولا يخرجون منها خاصة أن بلادهم غنية بعلف أخضر تعشقه الأفيال .
التعاون في العمل
بعد أن دمر الفيل أبناء الأرض الطيبة من النمل المسالم مرة أخري بسبب خطة شبابها الطموحة، عادت الحياة إلى الأرض الطيبة مرة أخري والتأمت الجراح وانتشر الصغار في شوارع وأنفاق بيوت النمل ولم يخبوا الأمل بينهم في القضاء على الفيل المغتصب وظلت الجدة تحكي لحفيدتها تاريخ أمتها من النمل في هذه الأرض الطيبة ومرت السنون وولد بين شعب هذه الأرض عبقري كما يحدث في كل الأمم ونشاْ في بيت كريم وظل يقرأ ويقرأ عن كل كبيرة وصغيرة في وطنه وعن هذا الفيل الظالم عدوه وعدو أجداده الذي سحق أجيالا من أجداده وشرد الكثير منهم من اجل راحته وسعادته فقط، فكر هذا العبقري ودبر وخرج بفكرة جديدة للقضاء على هذا الفيل فكانت فكرته غريبة وبسيطة وتعتمد على ما تتوفر لجماعة النمل من إمكانيات، وجد هذا العبقري أن لديهم أعدادا هائلة من شعب النمل وملايين من قطع القش والخشب الصغيرة فلماذا لا نتحد ونصنع فيلا كبيرا من أجسادنا وقطع القش والخشب هذه لنخيف به هذا الفيل الظالم حتى لا يداهمنا مرة أخري.. واستفاد هذا العبقري من دروس الماضي فوجد أن هناك عنصرين أساسيين قد يفسدا خطته وهما الفرقة والخيانة ولا بد من التخلص منهما قبل طرح فكرته على شعبه .. فعاد إلي كتبه وقرأ كثيرا جدا في كل كتاب وقعت عليه عينيه فى الأرض الطيبة.. ووجد أن هناك فطره من الفطريات تسمي بفطرة ألحكمه تنموا في جحور النمل وتؤدي التغذية عليها باتزان اي دون إفراط أو تقتير إلى بناء أجيالا جديدة من النمل متماسكة متعاونة ومخلصة لوطنها فجمع حوله من يثق بهم ووزع جراثيم الفطرة علي كل جحر وشرح لهم كيف يزرعونها ويحصدونها ويستخدمونها في غذاء أبنائهم بحكمه ومعيار محدد،
فطرة الحكمة وزراعتها في العشوش
ونشأ نتيجة هذا الغذاء الطيب جيلا مترابطا ومخلصا لوطنه، فطرح العبقري عليهم فكرته ببناء فيل ضخم ولاقت الفكرة قبولا من الجميع ولم يختلف عليها أحد، وبدأ العمل الميداني فأرسل المخلصين منهم في رحلات سرية استكشافية لدراسة شكل وحجم الفيل العدو بدقة لصنع مثله أو اكبر منه، وجري العمل الجاد بدقة وفي سرية تامة، وكان الفيل المغتصب قد اعتقد أن نمل الأرض الطيبة لا حول له ولا قوة فتعود أن يغط في نوم عميق ما لم تصله أخبارا من أصدقائه من الخونة الذين لم يعد لهم وجود بفضل الوحدة والحكمة التي حلت بالأرض الطيبة، جمع نمل الأرض الطيبة نفسه في شكل فيل ضخم يبلغ حجمه ضعف الفيل المحتل لأرضهم مستعينين بجزع شجرة ميتة و بأجسادهم وقطع الخشب الصغيرة مستخدمين كل ما لديهم من معارف وخبرات وثقه في النفس وذهب فريق منهم إلى الفيل النائم لإثارته، فلسعه بعضهم في مؤخرته فنهض الفيل منفعلا وهرول كعادته متجها إلي الأرض الطيبة ليسحقها فوجد في مجابهته فيلا ضخما وقف بعيدا في انتظاره فتوقف في ذهول من حجم هذا الفيل الذي ظهر له فجأة وفكر للحظه ولكنه لم يجد بدا من يدير ظهره إليه ويطلق سيقانه إلي الريح ليرحل هاربا بلا عودة من ارض النمل الطيبة، وهكذا تحررت أخيرا أرض النمل الطيبة من الفيل المحتل بسبب الوحدة والإخلاص وحسن التفكير، تسرب الخبر إلي أراضي النمل المجاورة المليئة بالعشب الأخضر الذي تحبه الأفيال فقرروا تقليد ما صنعه عبقري النمل فى الأرض الطيبة وإطعام صغارهم فطريات الحكمة والسعي للوحدة والحكمة والإخلاص ليصنع كل منهم فيلا يخيف به الأفيال الأخرى الطامعة ويتخلصوا من خوفهم.
محمد عبد الستار المليجي في 14 يناير 2009