النباتات المعدلة وراثيا …ما لها وما عليها
منذ بدء الخليقة ظل الكائن الحي في الفكر الإنساني كيانا مقدسا لم تجرؤ أية حضارة بشرية قديمة على مس كينونته,كما لم يذكر التاريخ أبدا أن أي منها حاولت, مجرد المحاولة , التدخل في صفاته الوراثية أو تعديل جيناته أو تحسين خصاله الذهنية أوالجسمانية كما يفعل إنسان العصر الحالي من خلال الهندسة الوراثية.
هذا رغم أن معظم هذه الحضارات ارتبط وجودها دائما بفكرة الخلود, ومن ثم كانت ظاهريا أكثر حاجة منا لمثل هذه الخطوة لكي تظل سائدة في العالم أطول فترة ممكنة, بل يمكن القول إن العكس هو الصحيح, فقد ارتبطت معظم هذه الحضارات بظاهرة تخليد الجسد واحترام الحيوانات والنباتات على حد تقديسها أو عبادتها أحيانا.
ولعل الآثار التاريخية الباقية التي تركتها لنا الحضارة المصرية القديمة مثل القط الفرعوني الشهير ,وأبو الهول والنسر حورس وزهرة اللوتس ونبات البردي خير دليل علي هذا ,والأمر نفسه لا يختلف كثيرا عند الحديث عن الحضارة الصينية أو اليونانية أو بقية الحضارات الأخرى القديمة.
غير أن الأمر تبدل أخيرا إلى النقيض , عندما بدأ العلم الحديث يسخر تقدمه وتقنياته في اللهو بجينات وصفات كل الأنواع ابتداء بالنبات ثم الحيوان وأخيرا الإنسان نفسه من خلال ما يعرف بالاستنساخ البشري.
كان الدافع لهذا اللهو هو بحث العلماء دائما عن طرق حديثة لزيادة الإنتاجية في القطاع الزراعي بشقيه الحيواني والنباتي لمقابلة النمو المطرد في الطلب على الغذاء وتفاديا لحدوث المجاعات ونقص الغذاء. يقع تطوير واستنباط السلالات الجديدة علي عاتق مربي النبات والحيوان, حيث يتم تهجين سلالتين أو أكثر وخلط الألآف من الجينات للحصول على النتائج المطلوبة وقد أسهمت تلك النشاطات في إنتاج الكثير من السلالات المميزة والتي مازالت تساهم في عملية توفير الغذاء, وتتطلب تلك الطرق التقليدية الكثير من الجهد والوقت .
يعتبر عام1970 بداية عهد الهندسة الوراثية حيث تم لأول مرة اكتشاف إنزيمات القطعrestriction enzymes التي مكنت العلماء عام 1972 من تركيب أول حامض نووي هجين مكون من قطعتين مصدريهما مختلف.أتت الهندسة الوراثية في منتصف السبعينات حامله تطلعات الكثير من العلماء لتقديم حلول جديدة للكثير من المشاكل التي كانت تقف عائقا أمام زيادة الإنتاج وتوسيع الرقعة الزراعية. فقدمت نقلة نوعية في إنتاج السلالات الجديدة, حيث وفرت مجموعة من التقنيات التي تتيح نقل بعض المورثات المنفردة والمنتقاة بين أنواع حية لا علاقة فيما بينها. ساعدت تلك التقنيات في إنتاج محاصيل زراعية عالية الخواص والإنتاجية ومقاومة للأمراض والآفات والظروف البيئية والمناخية القاسية.
أهم مزايا الهندسة الو راثية
هي إمكانية نقل المورثات عبر الأجناس بسهولة لا يمكن تحقيقها بالطرق التقليدية وتسمح تلك التقنيات باختيار ونقل صفه معينة بذاتها وتحاشى إدخال الصفات الغير مرغوبة كما هو في الطرق التقليدية كما أن مردودها من حيث النتائج يعتبر أسرع ويوفر الكثير من الجهد والوقت مقارنة بالطرق التقليدية .
تعريف الكائنات والأغذية المعدلة وراثيا
كائنات تغيرت فيها المادة الوراثية بطرق غير تقليدية ولا تحدث بصورة طبيعية.
إنتاج الأغذية المعدلة وراثيا ينطوي على عدد من الفوائد للمنتج والمستهلك
1/ تتصف بالجودة
2/ زيادة الإنتاجية
3/ القدرة على التغلب على ظروف الإنتاج.
جميع المحاصيل المعدلة وراثيا المطروحة في الأسواق صممت لتكون لها أحد الصفات التالية:
1) مقاومة الأضرار التي تسببها الحشرات.
2) مقاومة العدوى بالفيروسات.
3) تحمل مبيدات الحشائش.
4) تحسين الخواص الفيزيائية والكيميائية للمنتج.
علما بأن جميع الموروثات المستخدمة في تعديل تلك المحاصيل مستمدة من أحياء مجهرية.
يعتبر عام1996 البداية الفعلية لإنتاج الأغذية المعدلة وراثيا حيث تم خلال هذا العام زراعة أكبر مساحة من المحاصيل المعدلة وراثيا في أمريكا.
هل تؤدي هذه الكائنات المعدلة إلىظهور مشاكل بيئية جديدة على كوكبنا المنهك؟
أم أنها على النقيض من ذلك تمثل بداية واعدة وأملا حالما للقضاء على كثير من مشاكل الأرض الحالية.
الآفاق والآمال
لا يخلو أى جهد إنساني من جوانب إيجابية مهما إعتراه عظيم الجدل مثل حال الهندسة الوراثية ومنتجاتها.
هناك عددا من الإكتشافات التي تحمل في طياتها أمالا مشرقة بخصوص آثار النباتات والحيوانات المعدلة
وراثيا على النظم البيئية والحياة الإنسانية.
أبرز تلك الإنجازات
1) المعالجة الحيوية(Bioremediation) ومنها
المعالجة النباتية(Phytoremediation)
هو إستخدام النباتات المعدلة وراثيا في معادلة أو إزالة الملوثات من التربة أو المياه.
أ/ تنظيف أراضي النفايات من الزئبق
معظم النباتات لا تستطيع النمو في تربة ملوثة بشدة بالزئبق، إلا أن هناك بعض البكتريا التي تستطيع النمو في
تربة شديدة التلوث.
تم عزل الجينات المسئولة عن ذلك من هذه البكتريا MerA MerB وإدماجها في نباتات القطن cottonwood))، ثم زراعة نباتات القطن المعدلة وراثيا في التربة شديدة التلوث بالزئبق.
تساعد هذه الجينات نباتات القطن المعدلة وراثيا على النمو في التربة الملوثة بالزئبق،تنتج هذه الجينات إنزيمات تشترك في أيض الزئبق وبالتالي تساعد الشجرة على إمتصاص الزئبق من التربة ومن ثم تشترك في عملية
إزالة التلوث بالزئبق من التربة.
من أكثر الإنتقادات الموجهة للنباتات المعدلة وراثيا الإنتشار الغير منضبط
ـ إلا أن من أهم مميزات هذه الشجرة , شجرة القطن, أنها تحتاج إلى خمس سنوات لتصل إلىمرحلة النضج الجنسي وهكذا فإنه يمكن أن تستكمل التجربة والمعاملة مبكرا قبل حدوث أى تهديد من التكاثر الغير منضبط لهذه النباتات بفترة زمنية طويلة.
ـ أحد المخاوف هو أن هذه النباتات قادرة على نتح الزئبق من خلال أوراقها إلى الهواء , إلا أن الكمية والصورة التى ينطلق بها الزئبق للهواء تشكل سمية أقل بكثير إذا ما قورنت بتركها في التربة.
قبل عمل هذه الإنزيمات بالتربة, يزداد الزئبق حيويا في التربة بمعدل6ـ8 أضعاف.
أما الزئبق المنطلق إلى الهواء من خلال الأوراق فهو لا يزداد حيويا في شكله الجديد.
ـ تكلفة زراعة هذه النباتات ,القطن المعدل وراثيا,لا تكلف شيئا مقارنة بالطرق الحالية التقليدية لإزالة التلوث.
ب)إستخدام النباتات المعدلة وراثيا كمضخة للتخلص وتنظيف المواقع من التلوث بالمفرقعات
قام العلماء من جامعة يورك بتطوير بعض ألأشجار والنباتات الصغيرة وتحويلها الي مضخات عملاقة تقوم بسحب الملوثات من التربة.
ــتم تجربة ذلك عمليا في منطقة واسعة من الأراضي حيث كانت متفجرات RDX العالية السمية تستخدم بكثافة عالية مما تسبب في تلوث التربة والمياه الأرضية.
عرف العلماء كائن دقيق يتواجد طبيعيا في التربة قادر علي تحطيم المادة المتفجرة للحصول منها علي النيتروجين كي ينمو , ولكن وجد أن الكائن لا يحلل المادة بالسرعة الكافية لإزالة ومنع التلوث.
قام العلماء بعزل هذا الجين من هذه البكترياالقادرة علي تحطيم المادة المتفجرة السامة TNT ,RDX ومن ثم إدماجه في النباتات(نباتات الدخان) التي تستطيع القيام بالعمل بسرعة أكبر.
بهذه الطريقة تم نقل النشاط الإنزيمي من البكتريا ووضع في النباتات التي تمتلك كميات كبيرة من الكتلة الحيوية,وبالتالي تم الجمع بين قدرة البكتريا وبين الكتلة الحيوية الكبري وخصائص الإمتصاص في النبات, حيث يتم إستخدام إنزيم موجود بالفعل بالتربة ولكن نقل إلي ماكينة أكثر كفاءة في التحليل الحيوي لمادة RDX.
وهذا يفتح الباب أمام العلماء لإستخدام هذا التكنيك لتعديل نباتات يمكنها إمتصاص ملوثات عضوية أخرى.
دكتورة زكية محمود حسن