خواطر مسن

عندما نكبر في العمر نصبح أشخاصا مختلفين، تهدأ فينا الغرائز ويبقي العقل وتتأصل الحكمة، وتبطأ الحركة ونعقد صداقات مع الآلام.

نري الحقيقة في عيون الآخرين ولا ننخدع بسهولة. نميز بسرعة بين الكذاب والصادق ولا نواجه بسرعة.

نميل الى الهدوء ولا نحب كثرة الكلام والصوت المرتفع. لا نهتم كثيرا بالطعام والشراب فقليله يكفي طالما انه خفيف على المعدة المجهدة. ليس لدينا وقت للمغامرة والدخول في مشاريع جديدة. نحب ان نشارك الشباب بعض متعهم ولكن بقدر تحملنا الجسدي.

اجمل الاوقات نقضيها مع من هم في مثل اعمارنا وشركاء الماضي بكل ما فيه. ليس هناك اجمل من استعادة الذكريات مع اصدقاء العمر ومراجعة محطات الحياة ومطباتها الحلوة والمرة مع كوب من الشاي وقطعة بسبوسة صناعة منزلية.

نشفق على ابناءنا واحفادنا من المستقبل رغم ان لديهم من الفرص والوسائل اكثر مما توفر لدينا عشرات المرات ولكن طموحاتهم أكبر منا وإمكانياتهم النفسية أقل. شباب يولد مستهلك الكترونيا وماديا ونفسيا يختلف عن الشباب زمان في حياتنا البسيطة زمان الغنية بالخير والسلوكيات الاجتماعية الحميدة. كان لدينا مدرسة ومدرس واسرة وشارع اكثر حكمة وامان من الآن.

مرت علينا حروب عديدة وقرأنا وسمعنا هتافات وسرنا في مظاهرات وصعدنا الى السماء خيالا وهبطنا على الأرض واقعا لنسير بهدوء لا يشتته الضجيج. اصبحنا لا نلتفت كثيرا للصياح ولا ننجذب الا لحي على الفلاح. فهذه هي الحقية التى لا شك فيها. كلنا سنموت ولم يعد المشوار الباقي طويلا فلماذا لا ننتقي خطواتنا حتى نصل دون زيادة في العناء.

يسير الكبار في الشارع أمام الناس وكانهم باجسامهم النحيلة كالصناديق الفارغة يكاد يطيح بهم الهواء لولا تشبثهم بعصا او ذراع ابن، لقد افرغهم الزمان من جهدهم وعرقهم وعلمهم وصحتهم ولكنه لم يفرغهم ابدا من ثقتهم بأنفسهم واعتزازهم بما قدموه في حياتهم المديدة لمن حولهم وللمجتمع عامة.

البلهاء فقط هم من ينظرون للمسنين على انهم قضوا ولم يعد لها ضرورة، ولكن الذي لا يعرفه الآخرون ان المسن لا يعترف ابدا بهذه الصفة طالما انه يمشي على قدمية. يشعر المسن او المسنة أنه عدة رجال او عدة نساء في واحد فقد جمع الطفولة والشباب والدراسة والتخرج والعمل والجندية وتربية الاولاد وكل مراحل الحياة في شخص واحد تشكل على مدي ٨٠ عاما او اكثر. هو كل هذه الخبرات تمشي على قدمين. ليس مهما كيف يراه او يراها الناس ولكن المهم هو كيف يري نفسه. هذا ما يجعله يصارع آلامه وينتصر عليها معظم الوقت.

ولكن نقطة الضعف الوحيدة لدي المسنين هي النسيان الجارح والحاجة الى الشعور بأن اولاده واصدقائه يتذكرونه ولو بمكالمة تليفونية

عن Mohamed El Meleigi

Professor of Plant Pathology and Microbiology Worked at University Alexandria Egypt, North Dakota State University, University of Kentucky, Kansas State University, king Saud University, Qassim University

اقرأ ايضاً

الفن في المعركة

رسومات عن الحرب في غزة بعد ٧ اكتوبر ٢٠٢٣

Leave a Reply