كان الضابط مؤدبا مع الرجل وابنه ولكنه طلب من الابن البقاء خارج القاعة قليلا لأنه يريد التحدث مع أبيه على انفراد.
قال الضابط:
– شوف يا حاج رضا أنت هنا للشهادة والإدلاء بأي معلومات قد تعرفها عن جريمة حدثت من ثلاثون عاما تقريبا.
قال الحاج رضا:
– لا حول ولا قوة إلا بالله ..جريمة إيه لا سمح الله أنا راجل طول عمري فى حالي.
قال الضابط:
– أنت هنا لأننا وجدنا رقم تليفونك مكتوب على جريدة استخدمت فى تغليف أجزاء آدمية منذ 30 عاما وبالتحديد فى التاريخ 15 ابريل عام 1975م
صمت الحاج رضا لبعض الوقت وهو يحاول أن يستعيد ذاكرته ولكن الضابط سأله مرة أخري:
– أين كنت تعمل فى هذه الفترة يا حاج رضا؟
قال الحاج رضا:
– انا يا ابني على المعاش من مدة وقضيت طول عمري أعمل في الميناء.
قال الضابط:
– ماذا كان عملك فى الميناء يا حاج رضا؟
قال الحاج رضا:
– كنت أعمل فى كل شيء يطلب منى لأني لا أحمل مؤهلا عاليا ونقلت لأعمال كثيرة.
قال الضابط:
– كنت تعرف مدام نوال الدرديري ؟
صمت رضا مرة أخري لفترة وقال:
-كنت أعرفها عندما كانت تعمل فى الميناء ، كانت سيدة جميلة وتعمل فى كل شيء.
قال الضابط:
– كنت تعرف زوجها الأستاذ خليل هلال جابر
قال رضا:
- نعم كنت أعرفه ولم أعرف أنه كان زوجها وكانت هناك اشاعات عنهم ولكنه ترك الميناء وأسس معها شركة خارج الميناء.
قال الضابط:
– ما سبب وجود رقم تليفونك على جرنال فيه قطع آدمية يا حاج رضا ؟.
قال الحاج رضا:
– لا أعرف يا باشا
قال الضابط:
– أنت راجل كبير يا حاج رضا وصعب أن تنهي حياتك فى السجن لأنك لم تشهد بالحقيقة لأن القطع الآدمية التى وجدت هي فى الغالب لزوج نوال الدرديري ووجود رقم تليفونك على الجريدة يقول ان لك علاقة بالموضوع.
نظر رضا حوله ثم بدأ يبكي ويقول أرجوك يا باشا لا تجعل ابني يعرف شيء عما سأقوله لك وسأخلص ضميري من الذنب الذي أحمله من سنين.
قال الضابط:
– تكلم يا حاج رضا وأنت تري اني لم افتح لك محضر ولا أحد يسجل اقوالك نحن نرغب فى معرفة الحقيقة فقط فقد سقط الإتهام فى القضية بالتقادم.
قال الحاج رضا:
– كنت عبد المأمور يا باشا وكنت شاب يحاول أن يرضى رؤسائه من أجل لقمة العيش وكنت لسه متزوج ومخلف بنت وكانت الوظيفة هي مصدر لقمة العيش. كنت أعمل فى الميناء صحيح ولكن كان معظم دخلي من العمل الخارجي مع مدام نوال الدرديري والأستاذ خليل كعمل اضافي بعد الظهر وكان كل عملهم متصل بالميناء ايضا.
لم نكن نعرف انهما متزوجان ولم نكن نهتم بهذا الموضوع وقد قامت شركتهم بتركيب تليفونات فى منازلنا انا ورمضان هيبة الله يرحمه و كانت هذه التليفونات لتسهيل شغلهم وكانت الشركة تدفع فواتيرها لأننا كنا لا نستطيع دفع فاتورة تليفون ويا دوب عايشين.
فى أحد الليالي وجدت مدام نوال تتصل بي أنا ورمضان الله يرحمه فى وقت متأخر من الليل وكانت الدنيا ممطرة والشوارع مليئة بالماء والوحل وكان رمضان يعمل سائق ومعه سيارة نص نقل.
مر رمضان ببيتى الذى رأيته وذهبنا الى فيلا مدام نوال فى شارع جمال عبد الناصر بسيدي بشر وكانت الساعة بعد الثانية عشرة مساءا والدنيا برد وظلام.
قابلتنا مدام نوال على باب الفيلا وطلبت منا أن نأتي لجراج الفيلا فى الخلف وكانت قد عبئت أكياس كثيرة بالقمامة وطلبت منا مساعدتها لوضعها فى حقيبة سيارتها.
كانت الأكياس رغم صغرها ثقيلة وذات رائحة زفرة وكان المكان كله به رائحة زفره وعفنة واضحة وكأنها رائحة للحوم فاسدة.
طلبت السيدة نوال من رمضان قيادة سيارتها وجلست أنا جواره بينما جلست هي فى المقعد الخلفى توجهنا فى الطريق وكنا نمر على صناديق القمامة فى أحياء الإسكندرية من سيدي بشر حتى الأنفوشي ونلقى بكيس فى كل منها حتى انتهينا من المهمة ونحن لا نعرف ما هي محتويات الأكياس. إحنا فكرنا أنها عملت ذبيحة تفرقها على العمال ولكن اللحمة فسدت منها أو وجدت بها مشكلة وحبت تتخلص منها.
بعد عودتنا للفيلا لنأخذ سيارة رمضان و قبل أن ننصرف من فيلتها سلمت السيدة نوال كل منا مبلغ مائة جنيه وكان الجنيه وقتها يساوي عشرة من جنيهات هذه الأيام وأكدت علينا ألا نذكر شيئا عما حدث الليلة معها وأنها تعرف أننا رجال وحريصين على لقمة عيشنا.
تملكتنا الحيرة أنا ورمضان ولكننا لم نجرأ على فعل شيء ولم نتخيل ان هناك جريمة ارتكبت أو أن ما كنا نوزعه على صناديق القمامة هوبقايا آدمية حتى قرءنا بالجرائد بعد يومين الأخبار التى تتحدث عن العثورعن بقايا آدمية فى القمامة.
لم نستطيع ان نفشي سر مدام نوال التى أغدقت علينا العطاء وبقينا نعمل لديها حتى أفلست شركتها، ومرت سنوات ومات رفيقي رمضان وهو يحفظ السر الذى أفشيته لك أنا الآن.
أنا عارف أن الست نوال الدرديري ستغضب منى ولكن طالما طلبت للشهادة لا يمكن أن أخفيها وربنا يقبل توبتي.
نظر ضابط المباحث مطولا للحاج رضا المصري وقال له:
– نوال الدرديري قتلت زوجها يا حاج رضي ولكنها هي أيضا ماتت.
قال رضا:
– لا حول ولا قوة إلا بالله ..أنا تحت أمرك يا باشا وتحت أمر العدالة.
قال الضابط:
-خذ ابنك معك وعد الى بيتك يا حاج رضا فليست هناك حاجة لوجودك هنا الآن.
توفرت لضابط المباحث كل الأدلة على أن نوال الدرديري قتلت زوجها خليل هلال جابر ومزقته إربا وألقت بأجزاء جسدة فى القمامة واحتفظت بجمجمته حتى ماتت حتى لا ينكشف أمر جريمتها.
أغلق محضر اختفاء خليل جابر مرة أخري بعد أن أضيفت له بعض المعلومات التى تفيد باتهام نوال الدرديري بقتل زوجها.