الرئيسية / أخبار زراعية / كيف نصلح الزراعة المصرية ؟

كيف نصلح الزراعة المصرية ؟

كيف نصلح الزراعة المصرية ؟
د. محمد المليجي : يدور الآن حوار حول كيفية إصلاح شأن الزراعة في مصر وقد وصلتني بعض المقترحات من بعض الزملاء جميعها تتحدث عن الأنظمة والقوانين الزراعية والتعاونية دون التعرض الى أصل مشاكل الزراعة بمصر وجوهر المشاكل التي نواجهها ولذلك قررت أن أبدأ حوار زراعي من واقع خبرتي الشخصية بالزراعة في مصر والولايات المتحدة الأمريكية والسعودية دون إهمال تجارب الدول الإخري التي يمكن أن نستفيد منها.

تحتاج الزراعة الناجحة على سبعة ركائز أساسية تعتمد جميعها على العلم والبحث العلمي وهي: المزارع الواعي والتقاوي الجيدة والتسميد المناسب والمقاومة المتكاملة للآفات ومصادرا لمياه المتاحة والإرشاد الجيد والسوق الذي يستوعب المنتج بسعر مربح، وأي خلل في هذه المنظومة سيؤدي حتما فشل الزراعة. نحن في مصر الآن نحتاج إلى النظر في كل هذه المتطلبات السبعة التي أشرحها ببساطة في التالي:
1- المزارع الواعي:من أهم أساسيات الزراعة هو أن يكون الفلاح متعلم ليستوعب التقنيات الجديدة في الزراعة ولا يكون أميا، ولذلك لا بد أن نعمل على القضاء على الأمية بين الفلاحين وان يتولي الزراعة مهندس زراعي أو حاصل على دبلوم زراعة على الأقل ويجب أن نهتم في المشاريع الجديدة على أن يكون القائمين عليها على قدر كافي من التعليم والثقافة الزراعية.


2- التقاوي: البذرة الجيدة هي أساس للمحصول الجيد لا توجد في مصر صناعة حقيقية لإنتاج البذور سوي القمح والقطن وحتى هذه متخلفة لدينا ولو شاهدت شركة نوباسيد ستحزن على ما آلت إليه الآن بعد أن تحولت إلي شركة للمتاجرة في الأراضي ثم بيعت لمستثمر أجنبي يتاجر في العقار،وهاجر الكثير من علمائنا في إنتاج البذور للعمل في شركات مثل مونسانتو وغيرها في أمريكا، وإنتاج البذور علم هام ودقيق ويحتاج لعلماء متوفرون في مصر ولدينا شباب وشابات من خريجي الزراعة يبحثون عن الوظائف، وللأسف تكاد إسرائيل أن تتسيد العالم بعد أمريكا في إنتاج البذور ويبلغ وكانت إسرائيل تصدر كيلو الطماطم بخمسة دولارات والآن تصدر بذور الطماطم بسعر 25 ألف دولار للكيلو على الأقل، ونفس الشيء للخيار وبذور أخري عديدة ترسل إلى هولندا لتعبأ هناك بأسماء شركات معروفة وتوزع على دول العالم. وفي إسرائيل أيضا تعمل الأسرة المكونة من أربعة أفراد في صوبتين فقط طول العام أي حوالي500متر مربع وتربح حوالي مائة ألف دولار في العام بواقع 25 ألف دولار للفرد

المفكرة الزراعية (الرزنامة الزراعية) من صنع المصريين قبل آلاف السنين كتبوها بعلم وسجلوا متي تزرع ومتي تحصد كل محصول بدقة  فهل يعرفها الفلاح الآن
3- التسميد المناسب: لدينا مشكلة مستعصية في التسميد في مصر حيث ترتفع أسعار الأسمدة بطريقة جنونية لم أشاهد مثلها في العالم وقد شاهدت بنفسي أن الدول تعمل جاهدة على دعم المزارع بالدعم المباشر أو بدعم تصنيع الأسمدة، والمشكلة ألآخري هو جهل المزارعين بعملية التسميد وطريقة إضافته للتربة وعدم وجود إرشاد جيد ومعامل لتحليل التربة حتى يضاف السماد بالقدر المطلوب ولا يكون سببا في تلويث المياه والتربة بالسموم الكيماوية المعروفة والتي نقاسى منها في حياتنا اليومية في مصر. هناك جهل كبير بالتسميد الميكروبي وعدم وجود مصادر كافية منه، وأريد أن أوضح أن هناك بعض السلالات البكتيرية التي لو أضيفت للمحصول قد تغني عن عدة أجولة من الأسمدة الكيماوية، ولقد سمعت الدكتور أحمد زويل يتحدث عن البرمجيات وعن التقنيات العالية في الهندسة والفيزياء التي يهدف إلى تطويرها بمصر وهذا مجال تخصصه ولكن هناك برمجيات زراعية أخري ذات نفعا و مردودا مباشرا على البشر لا تلقي اهتماما حقيقيا مثل استخدام الهندسة الوراثية لإنتاج السلالات النباتية التي تستخدم مياه أقل أو التي تتحمل ملوحة المياه أو تقاوم الأمراض والآفات والتي تؤدي إلي أنتاج زراعي وفير بأقل تكلفة ممكنة وهناك كائنات دقيقة لو استخدمت لمكافحة الآفات لعوضتنا عن استخدام المبيدات ، هذه البحوث الزراعية تحتاج أن تهتم بها أيضا مدينة زويل العلمية  في برامجها وهذه تحتاج إلى إمكانيات علمية لا تتوفر بمراكز البحوث العادية.


4- مكافحة الآفات: استشرت في مصر بعض الآفات مما أدي إلي استخدام مكثف للمبيدات بل وتوجد في مصر كل المبيدات المحرمة، فقد عرفت أن الطماطم ترش مرتين في اليوم للقضاء على الذبابة البيضاء وهذا في رأيي قتل عمد للناس ولو كنت وزيرا أو صاحب سلطة عليا لمنعت هذا بكل السبل وكذلك الخيار والكوسة وغيرها من الخضر والفاكهة التي يأكلها الناس مباشرة دون طهي، فمكافحة الآفات علم واستيراتيجية متكاملة آخر عناصرها هو استخدام المبيدات ولكن جهل الناس بها وعدم وجود ثقافة إرشادية ناجحة سبب هذه الكارثة، وفي اعتقادي أن هناك حلول موجودة في الأدراج لمعظم هذه المشاكل والوزير الناجح هو من يستخرج هذه الحلول وينشرها سريعا بين الناس ويجعل لكل مخترع أو عالم ساهم في هذا مردودا اقتصاديا جيدا يشجعه ويشجع نظرائه على العمل الجاد المثمر.

سلالات أبقارنا القديمة أين هي الآن ولماذا لا نبحث عنها ونحسنها وأصناف قمحنا الذين كنا أول من سبق العالم في زراعته علىضفاف النيل أين هي الآن ولماذا لا نكون مصدر التقاوي لكل محاصيلنا للعالم ولا نظل مستوردين ..أنظر صورة أجدادك وقارن ما أنت فيه الآن
5- المياه: وهبنا الله النيل ولكننا جعلناه مصدرا للشقاء والأمراض فشحت مياهه وأصبحنا نلهث من أجل قطرة ماء نظيفة للشرب أو لري محاصيلنا ولو نظرنا حولنا لوجدنا إسرائيل بحجمها المحدود ومياها الشحيحة والمسروقة تنتج وتصدر محاصيل وأسماك ودواجن ولحوم أكثر مصر ؟، السبب هو إعمال العلم في كل شيء فلديهم أفضل نظام ري في العالم وسيطرحون قريبا نظاما جديدا أقرأ عنه حاليا يفوق نظام الري بالتنقيط وسيوفر20% إضافية من مياه الري (يسمي Jet System)، هم يزرعون القطن بالتنقيط والبصل بالتنقيط والزهور بالتنقيط ويحصلون على محصول أفضل من محاصيلنا التي نستخدم فيها الري بالغمر ونشق مصارف للصرف، السنا قادرين على أن نغير النظام الفرعوني الذي نزرع به حتى الآن، إلا نستطيع أن نعفي فلاحينا من استخدام الفأس والشادوف والساقية حتى الآن؟ الزراعة في مصرنا متخلفة للغاية وتحتاج إلى ثورة حقيقية في كل جوانبها. نستطيع بجدارة أن نستخدم مياه النيل في زراعة ستة ملايين فدان أخري لو أعملنا العلم وشجعنا على الاختراعات وصنعنا أدوات الزراعة وآلياتها المتحضرة التي سبقنا إليها العالم، ليس من المعقول أن نستمر في كسر ظهور أطفالنا في جمع اللطع وجمع القطن وهناك آليات أخري يمكن أن نستخدمها وان لم توجد نخترعها. لديهم سلالات أبقار تحلب ما يزيد عن 80 لتر حليب يوميا وأبقارنا كما تراها في القرى والنجوع تشكوا بؤسها للناظرين.
6- الإرشاد الزراعي: رغم خروجي مبكرا في العمر من قريتي إلا أني لا انسي أبدا أول سينما رأيتها في حياتي في الرابعة من عمري بعد قيام ثورة 23 يوليو العظيمة وحضرت إلي قريتنا قافلة إرشادية لتعلم الناس كيف يزرعون الذرة الهجين ويحصلون على أعلى إنتاج وافر من خلال فيلم سينمائي استمر نصف ساعة وسمعت أحد الفلاحين يقول..والله عجيب زرعوا الذرة وكبروه وحصدوه في ساعة ؟ لم أري بعد ذلك أي معالم في للإرشاد في ريفنا وكان المهندس الزراعي أو رئيس الجمعية ليس له أي دور سوي صرف الكيماوي والسلف البنكية وأخذ الرشاوي. مرت الأيام وعملت بجامعة كانساس وسط المزارعين والزراعة المتقدمة وشاهدت بل واشتركت في توعية المزارعين كيف يزرعون الذرة وكيف يزيدون من إنتاجه سواء بنظام الري أو بنظام التسميد، وفي نفس الوقت يوجد مسئول إرشادي ضمن أعضاء هيئة التدريس في كل قسم علمي يجمع المعلومات من العلماء أول بأول ويذهب بها للمزارعين ويعرضها بأسلوب علمي متميز ويأتي إلينا المزارعين سنويا في يوم يسمي بيوم المزرعة أو Farm Day وهكذا يعمل الإرشاد في أمريكا ويمكن أن نكون كذلك ؟
7- التسويق : لا يمكن أن نزرع لمجرد الزراعة ولكن نزرع لنبيع بسعر مجزي، وهنا يأتي دور العلم والاقتصاد والتنبؤ بحاجة الأسواق والمجتمع ويجب أن لا تترك الأمور لكي يصبح الفلاح فريسة للتاجر كما يحدث في مصر ويحزني أن أري فلاحينا الآن وهم يخزنون أقطانهم بحثا عن تاجر يشتري بلا خسارة، وأتذكر جيدا أن القطن كان لنا زمان فرحة وخير كثير فماذا حدث وكيف تبدلت الحياة ليصبح القطن مصدر قلق لزارعيه ؟

نحن نزرع الزهور ونحبها منذ اكثر من عشرة آلاف عام فكيف لا نكون أكبر مصدريها في العالم بشمسنا وتربتنا الخصبة
الزراعة في مصر تحتاج إلى وزير لديه قدرة كبيرة على الحلم والمعرفة بكل جوانب الزراعة ليقودها إلى حيث تقود كل الاقتصاد المصري فلدينا الماء والتربة والشمس الساطعة والمواطن المتنور القادر على استيعاب التكنولوجيا الجديدة، نستطيع أن نكون اكبر سوق في العالم لإنتاج الزهور التقليدية والنادرة ويمكن أن يتحول صعيد مصر إلى اكبر منتج للنباتات الطبية في العالم ولا يجب أن نصدر منتجاتنا خام كما يحدث الآن بل نصنعها ونعبئها بتقنيات عالية لتصل إلى ارقي بلاد العالم. نستطيع أن نحول قري بالكامل لإنتاج الحرير لو زرع كل بيت شجرة توت أمامه وعلمنا النساء كيف تربي دودة القز وتغزل من شرانقها الحرير ونستطيع أن نمدهم بالسلالات الجيدة من الديدان ونشتري منهم غزل الحرير، نستطيع أن نحول القش والحطب الذي يحرق يوميا ويسمم البيئة بأول أكسيد الكربون إلى بيو جاز وخامات لصناعة الورق والخشب المضغوط ونستطيع أيضا أن نمد القرى بالغاز من روث الحيوانات ونستطيع أن نجد وظيفة لكل عاطل من تصنيع أقطاننا ومنتجاتنا الزراعية  ونستطيع أن نحرر فلاحينا من الجهل ونطورهم فليس من المعقول أن نكون في القرن الواحد والعشرون ومازالت البقرة والجاموسة والحمار هم آليات الزراعة لدينا وينامون مع المزارع في نفس البيت، لا شك عندي أن الشعب الذي قام بثورة 25 يناير قادر تماما أن يغير من نفسه ويطرح جلده البالي القديم وينتقل إلى مرحلة أكثر رقيا وتقدما ولكن كما قلت نحن في حاجة إلى قيادة تفكر بإخلاص ولديها جرأة ثورية في التغيير وسيلتف حولها الناس وربما أكون حالما كما كان يحلم صلاح جاهين في أغنيته صورة  ..خضرة وميه وشمس عفيه… ولكن ثورة 25 يناير أثبتت أن من حق المصري أن يحلم وتتحقق أحلامه.
أستاذ دكتور محمد عبد الستار المليجي

عن admin

اقرأ ايضاً

أسبوع البطاطس

ابتداء من غد ٨ اكتوبر ١٤٢٤م ولمدة أسبوع أناقش معكم على صفحتي في الفيس بوك …

Leave a Reply