الرئيسية / الأدب / نفوس أسيرة -٧-نوال

نفوس أسيرة -٧-نوال

حزنت كريمة على فراق زوجها وظنت أنه يوما سيراجع نفسه ويعود إليها وبكت بشدة كما لم تبكي من قبل ولكن ظنها وأملها فى عودة زوجها تبددا بعد شهر واحد من رحيل زوجها  عندما دق باب شقتها رجل ليسلمها ورقة طلاقها. 

 لم تمر اربع سنوات على طلاق كريمة حتى وجدت طليقها يتصل بها تليفونيا ويطلب مقابلتها فى الوقت والمكان الذى تحدده. كان طلبا غريبا قابلته كريمة بالصمت أولا ثم سألته عن سبب هذه المقابلة المفاجئة بعد أربعة أعوام من القطيعة.

قال الزوج:

– أريد أن أقابلك لأطلب عفوك وصفحك وأطلب العودة لك.

 قالت كريمة :

– وأين زوجتك نوال وأولادك منها؟

قال:

– لقد انفصلنا وليس لي أولاد منها 

قالت كريمة: 

-أرجوك لا تعيد الاتصال بي وإلا سأغير رقم تليفوني فلم يعد بيننا ما نجتمع عليه ثم أغلقت الخط.

لم يتصل أحمد بكريمة مرة أخري وعلمت كريمة بعد ذلك ان نوال جردت زوجها من كل شيء واستولت على شركته بعد أن استطاعت ان تحصل منه على توكيل شامل بإدارة أعماله بل وورطته فى الكثير من الجرائم القانونية وهددته بالسجن وفضح أمره حتى يتنازل لها عن كل شيء هروبا من السجن ولذلك ترك لها الجمل بما حمل. سمعت كريمة أيضا أن طليقها استطاع ان يحصل على عقد عمل فى ليبيا وترك مصر ولم تسمع عنه شيئا بعد ذلك واختفى من حياتها الى الأبد. 

كانت رشيدة تسمع لكريمة صامته وهي تتعرف لأول مرة قصتها التى أخفتها طيلة سنوات وجودها فى الدار ولم تعلق رشيدة بكلمة واحدة حتى انتهت كريمة من قصتها.
قالت رشيدة :

– هل تعتقدين أنك الوحيدة التى حدث معها نفس الشيء ؟ هذه قصة معروفة ومتكررة وكل شيء نصيب يا كريمة ولازم تنسي هذا الموضوع وكويًس انك شُفتى على عين حياتك ايه اللى حصل لزوجك ولنوال وربك يمهل ولا يهمل. نظرت كريمة إليها نظرة بائسة وأخذت نفس عميق ولم ترد.

خرجت كريمة ورشيدة للتنزه فى حديقة الدار وتناول فنجان قهوة فى البرجولة الخشبية تحت شجرة الفيكس العتيقة التى صاحبها وجلس تحت ظلها كل من سكن هذه الدار وأثناء جلوسهن وهن يرتشفن القهوة إذ بنوال بمقعدها المتحرك تتجه نحوهن لتشاركهن الجلسة. 

همت كريمة بالنهوض والمغادرة ولكن رشيدة جذبتها برفق وهمست لها قائلة:

– عيب يا كريمة أجلسي.. فعادت كريمة الى مقعدها.
دنت منهن نوال وهى لا تعرف من الجالسة مع رشيدة وبدأ التعارف بين ثلاثتهم دون ان تتعرف نوال على كريمة ولكن كانت نوال تقدم نفسها لهم وترسم صورة لنفسها مختلفة تماما عن حقيقتها التى تعرفها كريمة.
حلت نوال محل راوية وبدأت تحكى كل يوم قصة مختلفة عن حياتها وعن ثرائها وأصبحت حكاياتها الكاذبة مسلية لكريمة ورشيدة دون ان تفصح لها كريمة عن نفسها ابدا. 

كانت نوال نموذجا مختلفا تماما عن المرحومة راوية فقد كانت تختلق القصص التي تمجد فى قدراتها الإدارية ونجاحاتها فى عالم المال والأعمال عندما كانت بصحتها وعافيتها، وأنها لولا تدهور حالتها الصحية لما تركت كل هذه النجاحات التى تفوقت فيها على الرجال. لم تذكر نوال أنها تزوجت أو أنجبت وكانت دائما تفتخر بأنها سيدة أعمال ناجحة.

كانت نوال تتناول العديد من الأدوية التى تحضرها معها عندما تجلس مع كريمة ورشيدة وتطلب منهن مساعدتها فى ترتيبها لأن ذاكرتها بدأت فى التآكل والنسيان وكانت بعض هذه الأدوية هي نفسها التي تتناولها كريمة.

وفى صباح أحد الأيام تخلفت نوال عن الحضور وظن البعض أنها تأخرت فى النوم على غير عادتها ولم تكن كريمة ورشيدة قد تعودن على الدخول الى حجرتها كما كن يفعلن مع راوية. 

ذهبت أحد الممرضات لتستطلع سبب غياب نوال الدرديري عن الإفطار لتجدها قد غابت هى الأخرى عن الحياة بعد أن سقطت من سريرها وهي على ما يبدوا تحاول الوصول الى مقعدها المتحرك المقلوب بجوارها. 

غابت نوال عن الحياة كما غابت راوية فى نفس الحجرة من قبل ولتستعد هذه الحجرة لاستقبال ضيفا آخر يحمل ذكريات وقصص أخري لا يمكن ان تعرف إذا كانت من الحقيقة أو من الخيال.

الفصل الرابع

الجريمة

فى يوم وفاة نوال لاحظ جميع نزلاء الدار حركة غير عادية فى الدار. كانت إدارة الدار بكامل هيئتها تقف عند البوابة وقد ظهر الوجوم واضحا على وجوههم واعترت الاستاذ أيمن الحداد المدير العام للدار حالة عصبية وهو يحرك سلسلة مفاتيحه الثقيلة دون توقف ولا يكترث بصوتها المزعج لمن حوله وقد وجه نظره صوب باب الدار المفتوح فى انتظار القادم. 

كان كل شيء فى الدار ساكنا ولا يسمع احد سوي شخللة مفاتيح الاستاذ أيمن المزعجة التى لا تتوقف.
توقفت سيارتان أمام باب الدار وترجل من أحدهما ضبابطي شرطة بملابسهما الرسمية بينما خرج من السيارة الأخرى رجل يرتدي ملابس مدنية. بعد تحية مختصرة للمستقبلين قادهم الاستاذ أيمن الى حيث يرقد جسد السيدة نوال فى الحجرة التى ماتت بها ويقف جواره طبيب الدار.

كان الرجال ذوي اللباس المدني من النيابة وكان المشهد ملفتا للجميع فلم يتعود أحد من رواد الدار ان يري الشرطة والنيابة يفحصون مع الطبيب جثة متوفى فى الدار قبل نقله للخارج. كان كل شيء يدور فى صمت ولكن كل المؤشرات تقول ان شيئا غير طبيعي يحدث. 

عن Mohamed El Meleigi

Professor of Plant Pathology and Microbiology Worked at University Alexandria Egypt, North Dakota State University, University of Kentucky, Kansas State University, king Saud University, Qassim University

اقرأ ايضاً

Seniors citizens

خواطر مسن

عندما نكبر في العمر نصبح أشخاصا مختلفين، تهدأ فينا الغرائز ويبقي العقل وتتأصل الحكمة، وتبطأ …

Leave a Reply